الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : السيرة السيناوية الجزء الثانى (العهد)

الحلقة الخامسة : الموساد يقترب من وداد فى القاهرة وفشل محاولات التجنيد

الكاتب محمد نبيل محمد

أبناء سيناء قاموا بما عليهم لصالح هذا الوطن، وكانوا أول مَن سدد فاتورة الدم دفاعًا ليس فحسب عن سيناء إنما عن الوطن.. ترابه المقدس وأهله الطيبين، وكان مقتضى الحال يستوجب حكى بطولات المصريين أبناء سيناء؛ ليس سردًا لمرثية هؤلاء الرجال والنساء والأطفال بل لرد الفضل لأصحاب الفضل على كامل الوطن، هم مَن تقدموا طواعية عقب النكسة لمساعدة قواتنا المسلحة فى استعادة الأرض والكرامة ولو كلّفهم هذا السبيل الروح والدم، ولم يعلموا أن أحدًا سيذكرهم، ولم يقدموا على التضحية لمجد يسعون إليه بل لمجد الوطن وأهله… وهم الذين منحتهم أرض سيناء المقدسة نوعًا من قداسة البطولة، وكرم التضحية، وعفوية الفداء.

استطاع “وداد” ان تكسب ثقثة قيادات القبائل فى سيناء بذكائها المتقد وشجاعتها وسرعة البديهة فى تصرفاتها تحت الظروف الطارئة، ويحكى “خالد” عن تقدير قادة العمل الوطنى فى سيناء لوالدته البطلة:” فى أثناء عملها الاعتيادى بالمستشفى وعلى غير توقيتات المقابلة المعهودة، فاجأ الشيخ البطلة بأن اعترض طريقها فى أثناء توجهها من عنبر لآخر وأبرق لها جملة مقتضبة للغاية:” المنظمة بتبلغك، جهزى نفسك للسفر إلى القاهرة خلال يومين.. وغادر أو تبخر الشيخ من أمامها وهى التى تحاول ان تلمم نفسها من هول المفاجأة فهى لم تسعرف الوادى ولم تسافر للقاهرة من قبل، إلا أن مشاعر ثانية حطت على خاطرها فأحدثت المعادل النفسى مما ساعدها لاستعادة توازنها، وهى مشاعر الفرح الممزوج بالفخر والزهو فالكلمات الأولى من البرقية كانت جديدة على مسامعها فلم يأتيها أمر أو تعليمات من المنظمة التى سمعت عنها وعرفت عن بطولات رجالها ومقاومتهم للعدو الصهيونى، وعلاقاتها بالجيش المصرى، وأخذت تردد فى أعماقها:”المنظمة” .. القاهرة” .. “الجيش المصرى” هذه المفردات كانت ذات وقع وأثر فى عقل ووجدان “وداد” جعلتها تطير فرحا من أمر جلل لكنها لم تعرفه بعد، فللمرة الأولى لم تتمالك نفسها وذهبت الى “ايفون” لتستأذنها فى الانصراف مبكرا لعذر عائلى، وعنما ذهبت للبيت، وفى المساء قالت لوالده :” نفسى أزور اختى ، فمنذ زواجها وحتى الآن لم أراها، فهل تأذن لى يا والدى فى السفر إلى القاهرة، نظر والدها الشيخ خليل حجاب إلى أخيها رشاد ويبدو ان أعينهما تحاورتا عن أمر ما سابقا، فأومىء الابن لابيه وأعلن الوالد ارتياحه بتنهيده أطلقها ورأسه إلى أعلى وكأنه يفوض أمره لله، ثم نظر الوالد تجاه الابنة الصغير وقال لها: ابقى سلمى لى على اختك وزوجها، توكلى على الله، كانت الام فى حيرة من هذه الحال، فنادت على زوجها لتحدثه على انفراد فى غرفتيهما، لم يغيبا طويلا ، وخرجت الأم تبتسم لابنتها وتقول لها: سأسهر على اعداد الهدايا لاختك وزوجها ووالديه، وفرحت الابنة بموافقة والدها، ولم يشغلها مادار بينه وبين أخيها، وكذا ظنت أن والدتها كانت تتحدث مع أبيها فى شأن الهدايا لاختها وزوجها، ولم تنم ليلتها تلك وتوجهت فى البكور الى “غزة” ومنها إلى “أريحا” فى الاراضى الفلسطينية المحتلة ثم الى “عمان” بالاردن ومنها إلى مطار القاهرة بمصر، فتلك الرحلة التى وصفها لها أخيها رشاد ان السفر من سيناء إلى القاهرة مباشرة كان محظوزا على أهل سيناء، وعند وصولها لمطار القاهرة استقبلتها أختها بالاحضان وقبلات الاخت الدافئة، التى ازاحت عنها عناء السفر الشاق والطويل وأسرع زوج اختها بحمل حقائبها، وتبادلا السلام والسؤال عن والديها واخوتها، وانتقلوا جميعا الى منزل اختها بالقاهرة، التى كانت قد اعدت لها غرفة مستقلة لها وبعد ان رتبت حقائبها، ونفضت عنها غبار السفر، راحت فى سبات عميق، لم تشعر الا واختها توقظها من اجل الفطور، وتجاذبت الاختان أطراف الحديث وتدخل زوج اختها الذى كان مكتفيا بالانصات لحكاياتها عن سيناء واهلها، وقال لها: اليوم وغدا اجازة علشان خاطرك ، تزوى القاهرة كلها سيدنا الحسين والسيدة زينب والاهرامات والبرج ونتمشى على كورنيش النيل، فهبت الاخت الصغرى من جلستها وقالت:انا جاهزة من الان، وضحكت وضحكوا جميعا فى سعادة بوجودها معهم، فالاخت تشم فيها رائحة والديها واخوانها، والضابط يرى فيها الامل فى العودة لسيناء مثله كبقية رجال الجيش المصرى عندما يقابلون أحدا من أهالى سيناء.
ونزل الجميع الى الشارع وبادر الضابط للمنادة على تاكس ليقلهم، فجذبت الصغيرة يده وقالت :” من فضلك عايزة املى عينى من مصر مش مستعجلة، خلينا نمشى شوية، ونركب اتوبيس شوية، عايزة اشوف اكبر عدد من أهل مصر، واتملى فى وششهم ، من فضل حضرتك هى ديه فسحتى اللى بحلم بيها طول السفر وانا جاية…
ابتسم زوج اختها وكأنه أطمأن لأمر ما، وأراح قلبه ما طلبته تلك الصغيرة.
وكان لها ما ارادت، وتمت سعادتها طوال اليومين، كما كانت تتمنى وتخطط، وفى اليوم الثالث استأذنت أختها لتنزل من البيت بمفردها إلى كورنيش النيل، وبالطبع نهضت أختها الكبرى لتتجهز وتنزل معها لكنها رفضت وقالت لها: انا جاية من فلسطين والاردن تفتكرى ح توه فى بلدى، انا اخدت بالى كويس من الطرق والشوارع ولو توهت ح اسأل، وسمحت لها الاخت الكبرى بالنزول من البيت بمفردها مع دعواتها بالسلامة لها…
وعلى كورنيش النيل كانت تتمشى بروية وكأنها تنتظر حدث ما أو من يقابلها، ولما لا وهى تعلم جيدا أن سبب سفرها للقاهرة هو هذا الحدث الهام الذى من المؤكد سيأتى إليها الان أو غدا على أقصى تقدير، ومازالت تفكر البطلة “وداد” فى كيفية استقبالها لمن سيأتى اليها .. وتتساءل من هو؟ وما هى المهمة؟
ويقطع استعجالها وانتظارها لما تريد صوت يقترب منها مناديا باللهجة العامية السليمة: سميط ودوقة، واقترب منها المنادى الذى بدا للمرة الأولى بكونه بائع متجول، لكنه مد يده بكعكة سميط وأخذ يبعبء الدوقة فى قرطاس، وهو هكذا يبدو لها، لكنه تحدث فجأة بلغة حادة : انا من طرف “عيزرا” عايزك ترتبى نفسك وتقابلينى تحت بيت اختك السادسة مساء، عايزين منك كل حاجة عن الجيش المصرى تعرفى تسألى عنها زوج اختك، ولما نتقابل تبلغينى بكل التفاصيل، وطبعا مش محتاج اقول لك ان كل ما كنتى متعاونة معانا كل ما كان اسرتك فى العريش فى امان وبعيد عن المعتقل، وكمان مش ح ننسى نعطيك على كل بلاغ مكافأة كويسة وكويسة جدا كمان… واختفى الرجل وسقط القرطاس من يديها وهى غارقة فى دوامة كبيرة ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.