الاعلامي محمود عبد السلام يكتب : ابن بائع السمن

الإعلامي محمود عبد السلام

فى مثل هذا اليوم من عام ١٨٠٠ كانت مصر تقع تحت الاحتلال الفرنسى ، فى زاوية عند شارع الالفى – مكان بنزينة تموين السيارات حالياً –  كان قصر الامير المملوكى ( محمد الألفى )  قائد عسكر الفرنسيين الذي اتخذ من هذا القصر الجميل مقرا  لأقامته ،

قبل هذا التاريخ بأربع وعشرين عاماً ولد طفلاً لأب يتاجر فى السمن بحلب ، وعندما شب هذا الطفل وبلغ سن الرجولة ، اتخذ طريقه الى مصر للتعلم بالازهر الشريف ، قبلها كان في جوار قبر الرسول ثلاثة اشهر ،

وهو فى طريقة الى مصر مر بغزة واستلم من حاكمها ما قيمته ، أربعون قرشاً عثمانياً وخطاب توصية من حاكم غزة لأحد شيوخ الازهر لتولى أمر هذا الشاب ،

ابتاع الشاب الحلبى (ابن تاجر السمن )، خنجراً واخفاه بين أغراضه ، وعندما وصل الى القاهرة ، كانت آثار ثورة القاهرة امتدت الى كل مكان بالمدينة العريقة ، وقبلها تحطم الأسطول الفرنسى كاملاً عن طريق الانجليز فى موقعة ابى قير البحرية ،

هرب نابليون تحت جنح الظلام وترك أربع خطابات عبارة عن نصائح لقائد العسكر ( جان باتيست كليبر ) لكيفية التعامل مع المصريين ، اشتهر كليبر بين المصريين بالعنف الشديد فكان لا يتورع عن ارتكاب المذابح واعطاء الأوامر بالقتل ، ويذكر ان فى ثورة القاهرة ضد الفرنسيين ، تحركت الثورة من حى بولاق وانتشرت الثورة فى أرجاء أحياء القاهرة انتشار النار فى الهشيم وكانت الغلبة للمصريين فى البداية ، حتى أمر قائد عسكر بفتح نار المدافع على القاهرة ، وفاوض أهالى حى بولاق الابطال أن يستسلموا مقابل إعطائهم الأمان ، لكن الغدر كان سيد الموقف كالعادة ، ليس للمحتل والغزاة ذمة ولا دين ولا عهد ،

صدرت أوامر كليبر بإعمال القتل والاغتصاب فى أهل بولاق ، ولم يستثن من ذلك أطفال او نساء ، واغتصبت السيدات والاطفال فى الطرقات ، وقتل أكثر من عشرين ألف من أهل بولاق ،

كان قصر محمد الألفى الذى اتخذه كليبر مقرا وسكناً له قد اصيب ببعض التلفيات ، فأمر سارى عسكر بإستدعاء العمال والحرفين لاعادة ترميم التلف الذى حدث فى القصر ،

انتهز سليمان الحلبى الفرصة ودخل الى القصر مع العمال ، وتربص بالحديقة ، وبينما يمر كليبر هو وأحد معاونيه فى ممر للحديقة ، انتهز سليمان انشغال الضابط المرافق لكليبر أثناء اعطاءه بعض الأوامر للعمال ، ووثب علي كليبر وطعنه فى صدره عدة طعنات حاول كليبر المقاومة ، فعالجه سليمان الحلبى بطعنه فى ذراعه ثم اجهز عليه تماماً ،

قتل ( جان بتيست كليبر ) القائد الفرنسى الذى تولى قيادة الحملة الفرنسية بعد هروب بونابرت ، اخذ جزاءه الذى كان يستحقه على يد شاب لم يتعد سنه أربعاً وعشرين سنة ، لكنه كان مؤمناً ان المعتدى يستحق العقاب ، وان الجهاد عقيدة تستحق الموت فى سبيلها ،

ذهب كليبر الى مذبلة التاريخ وبقى سليمان الحلبى رمزاً للبطولة والتضحية والارادة والقوة ، ما احوجنا لمثل ارادة هذا البطل هذه الأيام التى تمر فيها الامة العربية بأسوء مراحلها من الخضوع والخنوع والاذلال ،

المجد لابن بائع السمن طالب الأزهر سليمان الحلبى واخوانه على مر التاريخ .

مقاربة : وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) صدق الله العظيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.