عبد الناصر البنا يكتب: أنا .. وسميحة أيوب !!

عبد الناصر البنا

مفيش حد يقدر يزايد على الفنانة القديرة سميحة أيوب ، ولا على مسيرتها الفنية الطويلة والمتنوعة ، سواء فى السينما أو المسرح أو التليفزيون ، ولا على أدوارها ، وخاصة دور المرأة الصعيدية ، وبعد رحلة عطاء إمتدت لـ أكثر من نصف قرن ، ماتت سميحة أيوب عن عمر ناهز الـ 93 عاما .. ربنا يرحمها برحمته الواسعة

من زمااان فى بدايات شغلى فى التليفزيون وتحديدا فى القناة الفضائية المصرية طقت ف دماغى فكرة أعمل برنامج أسلط فيه الضوء على نماذج ناجحة من سيدات مصر النوابغ فى مختلف المجالات ، وطبعا مصر مليانه بالقمم وبالنماذج النسائية الناجحة وإخترت له إسم ” إبداع إمرأه ” .

المهم أن الفكرة إتوافق على إذاعتها على القناة الفضائية المصرية 2 ، وكانت تترأسها الاعلامية صديقة حياتى ” الله يرحمها ” وكانت منتدبة من إذاعة الشرق الأوسط هى والأساتذة محيى محمود ولطيفة الشافعى ، أنا وصديقة كنا ناقر ونقير ، وكانت دايما تطلع عينى وعين إللى خلفونى فى الشغل ، ست مكانش يعجبها العجب ولا الصيام فى رجب ، بس للأمانه كانت بتموت فى شغلى ، صديقة فى كل خلاف بينا تقولى : إنت صعيدى ودماغك ناشفه ، وأنا صعيدى على تركى ودماغى أنشف من دماغك !!

المهم إننا عملنا حلقات ” تتبروز” كل حلقة كانت أنقح م التانية ، كانت معى المذيعة سميحة أبوزيد ” الله يرحمها ” والمحرجة أمانى نجيب ، بنوته شابة ودارسة معهد سينما وفاهمه شغلها كويس أوى ، والله إيديها تتلف ف حرير ، ودلوقتى هى من كبار المخرجين فى الفضائية المصرية ، المهم أنا وأمانى دلوقتى كل مانشوف بعض نضحك ، علشان بنفتكر مواقف حصلت لنا أثناء التصوير ، يعنى فى مرة رحنا نصور مع واحدة من رواد الفن التشكيلى إسمها كوكب يوسف العسال ، الست دى كانت من مواليد 1909 ومكانش ينفع نصور فى شقتها ، وعلشان ننقلها لمكان تانى نصور فيه الست كانت مش قادر تمشى فاضطريت أنى أشيلها ، طبعا أمانى ماتت على روحها من الضحك ، وكل ماتشوفنى تضحك .. دا موقف ، غير مواقف تانية كتيرة !!

المهم نجاح البرنامج علًا من سقف طموحى ، إحنا عاملين حالة ، وكل حلقة أنقح من اللى سبقتها ، وفى مرة طقت فى راسى وقلت : أما أعمل حلقة مع سميحة أيوب ، يعنى أى واحد مننا لما يتذكر إسم سميحة أيوب يقول آه دى سيدة المسرح العربى ، وكانت مرات محمود مرسى وسعد الدين وهبه ، وقدمت كيت .. وكيت ، لكن الموضوع مكانش بهذه البساطة أبدا ، كان لازم أملك أدواتى قبل ما أروح لها أو أكلمها ، فى التوقيت دا كنا فى سنة 2005 تقريبا ، مكانش فى Google ولا أنترنت و دياولو ، كان التحضير للحلقة يقتضى أروح أرشيف جريدة الأهرام أو الأخبار أدفع رسم إطلاع ، وأدخل الأرشيف أيام وليالى علشان أحضر لحلقة .

دخلت الأرشيف وسط أكوام الصحف والمجلات أبحث وأنقب وأدقق فى حياة سميحة أيوب لمدة “شهر”بحاله من الصبح إلى الليل ، لغاية ما جمعت كل ماقيل عنها ، ولما تقرأ سيرة واحدة زى سميحة أيوب تتخض ، وكل ماتقرأ أكتر تتخض أكتر ، سميحة أيوب صاحبة أطول سيرة ذاتية فى تاريخ السينما العربية ، حاجة كدة .. مرعبة ، المهم أنى كلمت سميحة أيوب ، وكانت ركبى بتخبط فى بعض ، مكانش وقتها فى موبايلات ، ردت على بنفسها . صوت سميحة أيوب فى التليفون يخض ، تحسسك أنها واقفة على خشبه المسرح القومى بتقدم نص لـ وليام شكسبير ، وهى صاحبة صوت مجلجل لاتخطأه الأذن ، أنا وقتها معرفش لضمت الكلام ورا بعضه إزاى . عارفين بتوع العقارات لما يتصلوا بيك علشان يعرضوا عليك أسعار الفيلل فى ساوث ميد ، ويقولك وسط الكلام المتر ب70 ألف دولار بس ، وأنت تكون فى هايبر ماسك الآله الحاسبة بتدور على نوع الجبنه الرخيص .

الحق يقال الست كانت محترمة جدا فى الرد سألتنى عن إسمى وسنى وعنوانى وجاوبتها على كل أسئلتها ، وقلت لها أنا عاوز أعمل معاكى حلقة تتكلمى فيها عن فنك ومسيرتك الإبداعية و.. و ، طبعا بعد مابلعت ريقى 16 مرة وأنا بأقول لها الكلمتين دول ، أد إيه الست دى كانت إنسانه وكانت مقدرة الحالة إللى أنا فيها ورحبت بالفكرة ، إنطلاقا من حبها لتليفزيون بلدها ووقوفها جنب الشباب ، وحددت لى موعد أقابلها فيه ، حملت أوراقى ورحت لها بيتها على نيل الزمالك فى الموعد المحدد ، إستقبلتنى بحفاوة بالغة ، وسألتنى أيوه ياسيدى إحنا. هنتكلم فى إيه ؟ ، إتقمصت أنا شخصية فريد الديب وقعدت أنخع من الشمخ الجوانى ، وأشرح لها الحكاية ، لمحتها بطرف عينى لقيتها مشدوهة ومصوبة عينيها ناحيتى وقالت لى إستنى .. إنت جايب الكلام دا منين ؟

طبعا أنا قلبى وقع بين رجلىً ، وقلت أنا هببت إيه بس ، قلت لها من أرشيف الاهرام والأخبار ، أنا بقالى شهر بأحضر للحلقة بتاعت حضرتك ، إنتبهت أنى كنت واقف ، قالت لى : أنت واقف ليه ، ماينفعش تقول الكلام الحلو دا وانت واقف ، أتفضل أقعد ، وهنا أخذ الكلام منحى آخر ، قالت لى : أنا معجبة جدا بالكلام إللى إنت كاتبة ، إنت شاطر أوى ، وأنا بأشكرك ، أنت عملت مجهود غير عادى ، وأنا لازم أشكرك عليه ، والله قعدت تشكر وتقول برافو قرابه العشر دقائق لدرجه أنها أخجلتنى . قلت لها أنا عاوز اقولك حاجة ، قالت لى إتفضل قلت لها أولا أنا صعيدى وحضرتك أكتر فنانة قدرت تجسد دور المرأة الصعيدية بجدارة وإمتياز فى كل الأعمال إللى قدمتيها ، إبتسمت وهزت رأسها تشكرنى ، قلت لها إللى يشوف الحاجة ونيسة فى الضوء الشارد لايمكن يقول الست دى بتمثل ، دى واحدة صعيدية أبا عن جد ، عارفة يامدام سميحة إنت أكتر واحدة قدرت تجسد شخصية أمى على الشاشة أو شخصية أى ست صعيدية قوية .

وإبتدت تسألنى عن أمى وحياتها وشخصيتها ، وكأنما كانت تريد أن توثق معلومات كانت تخفيها فى ذاكرتها عن المرأة الصعيدية ، وكانت دقيقة جدا فى السؤال عن تفاصيل محددة فى حياة المرأة الصعيدية ، وكأنما كانت تدرس الشخصية الصعيدية بكل موتيفاتها ، المهم أنها فى نهاية المطاف سمحت لنا بعمل اللقاء معها ، وفوجئت أن المخرجة صعب عليها أنها تحط هذا الكم من المعلومات فى حلقة واحدة فقامت بقسمتها إلى جزئين ، وكانوا فى منتهى الجمال .

كانت سميحة ايوب الله يرحمها شخصية فى منتهى الذوق والأدب والأخلاق معنا ؛ وهى ست بتقدر الإنسان الواعى والفاهم المثقف .

رحلت سميحة أيوب فى الوقت إللى كنت بأفكر فيه أتصل عليها علشان نعمل حلقة فى برنامج مشابة يرصد حياة كل من ترك بصمة فى هذا الوطن إسمه ” ولنا .. لقاء ” ولكن يد القدر كانت أسرع . ماتت سميحة أيوب فى الليالى العشر الاولى من شهر ذى الحجة .. أدعوا الله أن يسكنها وأمواتنا فى الفردوس الأعلى من الجنه ، وأن يرحمها برحمته الواسعة . أرجوكم اكثروا من الدعاء فى هذه الأيام المباركة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.