عبد الناصر البنا يكتب : مصيدة .. الرافال !!

عبد الناصر البنا
بمناسبة اللغط الذى دار منذ فترة على خلفية المناوشات التى جرت بين الهند وباكستان بسبب الصراع التاريخى على إقليم كشمير ، والأخبار التى تواترت عن تصدى الدفاعات الجوية الباكستانية للهجوم الهندى المضاد من خلال عملية ” إعماء ” أو تشويش ألكترونى على أنظمة الملاحة الجوية الخاصة بمقاتلات الرافال الفرنسية وإسقاطها ، ومعلوم أن مصر تمتلك عددا لا بأس به من طائرات الرافال ، وتعتزم شراء المزيد منها بعد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة إلى مصر .
والغريب فى هذا الأمر هو ” الشماتة ” غير المسبوقة فى مصر من جماعة الاخوان الارهابية ، ومفادها أن مصر إشترت الوهم بتعاقدها على شراء تلك الطائرات ، أو أننا إشترينا التروماى ، حاجة كدة تصيبك بالقرف والغثيان وكأنهم والله راضعين من لبن الحمير ، وقد بلغ الغباء فيهم منتهاه ، وتقدر تقول دول من ينطبق عليهم قول أبو الطيب المتنبى : لكل داء دواء يُستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها ” !!
حاصل القول أننى سوف أعرض على عظيم سمعكم بعض المواقف من واقع حياتى العملية فى مجال الاعلام وسوف أترك الحكم لكم ، فقط كون الموضوع لايقتصر فقط على إمكانيات طائرة ، وإنما على قدرة المقاتل ومستوى التدريب الذى وصل إليه ، ومامدى قدرته على الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة له فى الطائرة وقدرته على المناورة والقتال .. إلخ .
ولو عدنا إلى التاريخ لفترة حرب الاستزاف منذ عام 1967 وماتلاها ، وصولا إلى حرب أكتوبر المجيدة 1973 سوف تجد العجب العجاب ، وتسمع ما لا يتصوره عقل بشر ، ليس بشهادتنا نحن ، وإنما بشهادة العدو ، ومن خلال الشهادات الحية على العصر من أبطال تلك المواقف التى تدلل على قدرة الطيار المقاتل المصرى وتحدية للصعاب ، وعلشان تعرف تقرأ التاريخ كويس ، بإمكانك عمل بحث على google عن اللواء طيار أحمد كمال المنصورى .
المنصورى هو أحد أبطال كتيبة ـ الفهود السوداء ـ التى نفذت الطلعة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة ، وكان فى طليعة القوات التى عبرت إلى الضفة الغربية للقنال قائدا لسرب طائرات مقاتلة ، المنصورى قام بعمل مناورة جوية إسمها ” مناورة الموت الأخير ” وهى مناورة لم تصمم الطائرة أصلا لفعلها وبسببها لقب بالمجنون ، وتعالوا أحكى لكم الحكاية كما رواها لنا ، المنصورى كان يقود طائرة طراز ” ميج 21 ” وهى طائرة محدودة القدرات القتالية والتسليح ومدة الطيران مقارنه بالطائرة ” أف – 4 إي فانتوم ” التى تستخدمها القوات الاسرائيلية .
بالطائرة الـ ” ميج 21 ” عمل المنصورى مناورة مجنونة إسمها ” مناورة الموت الأخير ” ، والمفترض أن الطيار لا يلجأ إليها إلا في الحالات القصوى .. إللى حصل أن المنصورى علشان يهرب من مرمى نيران طيران العدو ، قلب الطائرة وتنزل بمقدمتها بأتجاه ألأرض سقوطا عموديا ، وقتها ظن الطيار الأسرائيلي”جيورا إيبستين” أن المنصورى قد إرتطم بالأرض من نافورة الغبار التى أحدثها إقتراب الطائرة من الأرض ، وقال له Sheet ، و لكنه فوجئ بالمنصورى يصعد إليه مرة أخرى مثل الصاروخ , ولذلك لقبه سلاح الجو الأسرائيلي بالمجنون ، مناورة المنصورى كانت مستحيلة ولايستوعبها عقل بشر ، لأنه حطم فيها كل قوانين قوة التسارع ، لما نزل بالطائرة على إرتفاع 3000 قدم ، والمناورة لو تمت بالـ “ميج 21 ” كما يقول المهندسون الروس يجب أن تكون على إرتفاع 6500 قدم .. دا الطيار المصرى !!
لما الخبراء الروس يقولوا لك : عندما تصل الطائرة إلى سرعة أقل من 400 كم بالساعة أقفز منها فستهوي سقوطا عموديا ، ويقاوم السقوط العمودى ويطير بالطيارة طيرانا شراعيا على سرعة صفر ، أو لما تعرف أن الطائرة عندما ينفد منها الوقود تتوقف كل أجهزتها الملاحية الهيدروماتيك ويتحتم عليك أن تقفز منها لأنها سوف تقتلك ، ويصر على الطيران بها طيرانا شراعيا ، ويهبط على طريق عرضة 10م بطائرة سرعتها 400كم / ساعة ، دون أن يضحى بها أو يحاول أن ينجو بنفسه ويقفز منها . لما تقرأ مانشيت فى أخبار 1969 ” أسقطنا الفانتوم ” تعرف وقتها أنت فين ، لما تعرف أن الطيار حسن لطفى “رحمه الله ” عندما قصفت طائرته وإشتعلت بها النيران والمفترض أنها سوف تنفجر خلال 30 ثانيه إلا أنه لم يقفز منها بالمظلة ، وإنما أصطدم بها فى إحدى طائرات العدو ليدمرها مضحيا بروحه .
ولما تقرأ عن معركة الـ ” 13 دقيقة ” وهى المعركة التى أذهلت العالم بأسره ، كونها أطول معركة جوية تمت ما بعد 1967 وحتى 1973 والمعلوم أن أي معركة جويه تستغرق من دقيقتان إلي ثلاث دقائق لأن طائرة ” ميج 21 ” روسية الصنع ، تستهلك 200 لتر وقود فى الدقيقة علي أقصى سرعة أثناء الإشتباك في المعركة ، ولذلك يجب الإسراع بالمعركة بسبب هذا الإستهلاك العالي ، ماحدث فى فبراير 1973 أن إسرائيل قامت بعمل مايسمى إستطلاع بالقوة بواسطة 6 طائرات ” أف – 4 إي فانتوم ” الأمريكية الشهيرة التى لديها قدرة على الطيران لمدة 3ساعات فى تشكيل على شكل حرف V ، وتصدت لها طائرتى ” ميج 21 ” وأسقطت قائد السرب وهربت بقية الطائرات الاسرائيلية .
موقف طريف لا أمل من تكراره عندما إستضفت السفير محمد بسيونى سفير مصر الأسبق فى تل أبيب بصحبة اللواء طيار أ.ح محمد فكرى الجندى وكان قائدا للجبهة السورية فى حرب أكتوبر 1973 وهو دفعة الرئيس مبارك رحمه الله على الجميع ، كنا نجلس فى إستراحة أستوديو 3 بمبنى الاذاعة والتليفزيون نتبادل أطراف الحديث وقتها قال السفير بسيونى : شايف “السهن” إللى قاعد جنبك دا بقصد اللواء الجندى ، دا صال وجال فى القوات الاسرائيلية بطيارة أشبهها لك بعربية ” سيات ” دخلت فى سرب عربيات “مرسيدس” ودمرتها . لا وإية رفض ينط من الطيارة إللى بقت زى علبه السردين المفعصة ورجع بها وهى لاتصلح للطيران وفقا لأى مقاييس تصنيع .
إذن المسألة هى ليست إمكانيات طائرة فقط ، المسألة منظومة متكاملة تشمل التوجية الأرضى والتدريب والقدرة على المناورة من قبل الطيار وفوق هذا وذاك كونهم ” رجال طلبوا الموت فوهبوا الحياة ” .. تحيا مصر !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.