” سمكة ” .. قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام 

الإعلامي محمود عبد السلام

مرت نسمة باردة اقشعر لها جسده، اقترب أكثر منها ، رائحة العطر أثارت داخله الحنين إلى لحظات تمناها ، القارب الصغير فى عرض النيل يحمل طفلاً صغيراً يقف بمهارة على أطرافه ، والصياد العجوز يلم الشبكة  تخرج من قلب الماء ، تكشف عن الأسماك التى تتقافز محاولة الهروب من الفتحات الضيقة للنسيج المحكم

مر بائع الفل ، تحين اللحظة المناسبة للانقضاض ، مال الفتى الجالس بجوار الفتاة ، الممسك بكفها فى دفئ وحنان ، عرض َبائع الفل عرضه بسرعة ولباقة ، النقود مقابل ان يستكمل الفتى رحلته إلى أول قبلة ، غمازاتها فى وجهها تضئ كلما ابتسمت ، حسنها اخاذ ، لا يتمنى سوى ان ينظر إليها إلى الأبد ،

بائع الفل يقترب أكثر ويلقى بعقد الفل فى حجرها ، السمكة الكبيرة فى شبكة الصياد تقاوم ، تتقوس بحدة ثم فجأة تستقيم كسيخ من حديد ، كلما اقتربت يد العجوز منها انفلتت بقوة ،

أدخل الفتى يده فى جيبه وأخرج بعض النقود قبل أن يقدمها لبائع الفل نظر إلى كفه واقتسم ما فيه نصفين ، ادارت الفتاة وجهها إلى الناحية الأخرى ،

اقترب الفتى من أذن بائع الفل وأسر له ببضع كلمات ، هبط الطفل الصغير من على طرف القارب واخذ السمكة الكبيرة بكلتا يديه وضمها إلى صدره ، ضمها بقوة وحنان ، اختفى بائع الفل ، نظر الفتى حوله لم يجد إلا الهدوء والصمت والفراغ ،

ارتجفت الفتاة ومالت نحو الفتى ، تبخر بائع الفل ، السمكة فى حضن الطفل ، والفتاة فى حضن الفتى ، والصياد العجوز يبتسم وهو يضع السمكة فى الإناء الكبير ، وبائع الفل يدخن سيجارة ابتاعها بعد ان اسر له الفتى ببعض كلمات ووضع فى يده بعض النقود ، والليل لا يطول ،

بعد قليل هدأت حركة السمكة فى الإناء الكبير ، وانسحبت رائحة العطر وهدأت الأشواق فى جسد الفتى والفتاة ، وراح الطفل يلهو وراح الصياد العجوز فى ثباتٍ عميق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.