عبد الناصر البنا يكتب: بيان وزارة البترول عفوا .. عذر أقبح من ذنب !!

كثرت خلال الأيام القليلة الماضية التكهنات ، وإنتشرت الأقاويل والشائعات ، ونشطت اللجان الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى فى محاولة لإيجاد تفسير لما حدث للبنزين أوكتين 92 الذى تسبب فى تلف طلمبات البنزين لعدد كبير جدا من المواطنين فى عدة محافظات ، مما سبب لهم أضرارا بالغة وخسائر مادية كبيرة .
الدولة متمثلة فى وزارة البترول والثروة المعدنية ، ووزارة التموين ، وجهاز حماية المستهلك ، والمحليات حاولت بشتى الطرق نفى التهمة ، والتنصل من المسئولية ، وإلقاء اللوم على محطات تمويل السيارات ، وكل مسئول حاول أن يلقى ” القرد” من على أكتافه ، ولم يجرؤ أحد أن يواجه الرأى العام الغاضب ، ويعلن مسئوليته عن هذا الخطأ .
الحكومة نفت تماما ظاهرة البنزين المغشوش ، وأكدت على عدم وجود وقود فاسد فى الأسواق ، وأن البنزين يخضع للمواصفات القياسية ، وأن نتائج تحاليل عينات البنزين أوضحت مطابقة جميع العينات للمواصفات القياسية المصرية .. إلخ ، وذلك على الرغم من تداول مقاطع فيديو لمواطنين على وسائل التواصل الاجتماعى تؤكد على فساد البنزين ، وبالطبع سخر المصريون من هذا البيان الفاضح ، وإعتبروه غير واقعى وجاءت التعليقات [ محدش فاشل هيعترف أنه فاشل ــ وهو من إمتى الحكومة بتكون صادقة فى أى كلمة بتقولها ــ أيوه .. إنتم صح والعربيات كلها بتستهبل ــ إحنا بنزينا أشرف من الشرف .. إلخ ] .
وردا على هذا الكلام الغير مسئول ضجت وسائل التواصل الاجتماعى بعدد كبير من المقاطع التى توثق تعطل عدد كبير من السيارات ، وتلف البعض الآخر ، بسبب الوقود الذى أدى إلى توقفها بشكل مفاجىء ، وحسما لهذا الجدل الدائر ” تمخض الجبل فولد فأرا ” وجاء بيان صادر عن وزارة البترول والثروة المعدنية بخصوص الأزمة تعلن فيه عن نتائج تحاليل عينات البنزين التى أجريت على مستوى الجمهورية نتيجة للشكاوى الواردة من بعض المواطنين .
والحقيقة أن بيان الوزارة جاء بمثابة ” ذر الرماد فى العيون ” كونه” لايسمن ولايغنى من جوع ” ، بل ويناقض تصريحات دولة رئيس الوزراء التى جاءت فى المؤتمر الصحفى عقب إجتماع مجلس الوزراء الأسبوعى والتى أكد فيها على أنه تواصل بصورة فورية مع وزير البترول ، وكلفه بفتح تحقيق مُتكامل في هذا الشأن للوصول والتعرف على مُختلف التفاصيل الخاصة بهذه المشكلة ، وتعريف المواطنين بمختلف الملابسات .
ماجاء فى بيان وزاره البترول هو ” عذر أقبح من ذنب ” وليت الوزارة الموقرة لم تخرج بهذا البيان الذى لم يشر لا من قريب أو بعيد عن سبب المشكلة ، ولا عن تحملها مسئولية ماحدث ، على الرغم من أن البيان اكد على أنه جاء تطبيقا لمبدأ الشفافية .. ولاندرى عن أية شفافيه يتحدث البيان ؟
الشفافيه أن يخرج الوزير يعتذر للناس التى تضررت من البنزين الغير مطابق للمواصفات ويعلن مسئوليته عن ذلك ؛ ويبين المشكلة التى تسببت فى الأضرار التى لحقت بهم ، تعتذر الوزارة عن هذا الخطأ الغير مقصود وتتعهد بأن تتلافى ذلك الخطأ مستقبلا ، وقتها كان الجميع سوف يصفق لكم ويقف إحتراما وتقديرا !!
إنما أن كنت تقصد أن شفافيه البيان فى مؤشرات الشكاوى خلال الفترة من 4 : 9 مايو ، وفى ترتيب المحافظات من حيث الشكاوى ، وعلى نتائج تحليل العينات ، التى أكدت على أن البعض منها جاء غير مطابق للمواصفات سواء فى القاهرة أو القليوبية أو الأسكندرية ومركز الفشن فى بنى سويف ، مع التأكيد على أن الوزارة أضافت بعض الاجراءات فيما يخص البنزين المنتج محليا وكذلك المستورد ؛ فهذا الكلام غير مقبول .
معالى الوزير .. أن الاعتراف بالحق فضيلة ؛ والمفترض انك مسئول أمام الدولة والبرلمان والشعب بالقيام بمقتضى واجباتكم الوظيفية على الوجه الاكمل .
بيانكم معالى الوزير يحمل الكثير من الاستخفاف بعقول الناس .اولا : لعدم تحمل الوزارة مسئوليتها عن الخطأ رغم إعترافها بأنها رصدت بعض العينات غير مطابقة للمواصفات فى محطات الوقود ، وثانيا : التأكيد على صعوبة تحديد الأسباب الفنية لتعطل ” طلمبات ” السيارات الواردة بالشكاوى ومن بينها ” جودة منتج البنزين ـ الحالة الفنية للمركبة ـ أو العمر الافتراضى للطلمبة ” .. وهذا الكلام غير منطقي وغير مقبول فى ظل وجود أزمة حقيقية فى الوقود وليس فى الأمور العادية !!
معالى الوزير .. ” أن من أتلف شيئا عليه اصلاحه ” وعليه وجب على الوزارة أن تعوض أصحاب الضرر بقدر الضرر الذى لحق بهم ؛ إنما أن تقرر الوزارة صرف مبلغ 2000 جنية لكل متضرر تقدم بشكوى عبر الخط الساخن أو من خلال منظومة شكاوى الحكومة ، على أن تكون الشكوى خلال الفترة من 4 : 10 مايو مع تقديم فاتورة معتمدة ومستند ملكية السيارة .. إلخ .
فهذا فيه من الغبن الكثير ؛ خاصة فى ظل ارتفاع تكلفة فاتورة اصلاح الأعطال بسبب زيادة اسعار طلمبات البنزين خلال تلك الأزمة إلى ثلاثة وأربعة أضعاف بالقدر الذى جعل سعر الطلمبة الواحدة لايقل عن 3000 جنيه ؛ ناهيك عن كميات البنزين التى اهدرت فى الأرض فى ظل ارتفاع أسعار الوقود ؛ هذا بخلاف الضوابط التى نص عليها البيان والتى قد تكون سببا فى عدم استفادة أكثر من 50 % من المتضررين من التعويض المقرر لجبر الضرر الواقع عليهم .
حاصل القول .. على مايبدو أن هناك فشل بتقدير ” امتياز ” فى إدارة هذه الأزمة ؛ وهذا النهج هو المتبع عادة فى الدول النامية ودول العالم الثالث وليس فى مصر وحدها ؛ كان يتحتم على الوزارة بداية الاعتراف بوجود أزمة ؛ وعدم المكابرة ؛ والقيام بدراسة أسبابها بدقه ؛ ومن ثم تحليلها ؛ واتخاذ القرارات الفورية المناسبة لها من منطلق تحمل المسئولية ؛ ثم تستخلص الدروس المستفاده منها ، تجتبا لعدم تكرارها فى المستقبل ؛ انما التعتيم والتعميه وغياب الرؤية قد يفقد ثقة المواطن ؛ وفقا جاء فى ردود الأفعال التى ذكرت بعضا منها على وسائل التواصل الاجتماعى.
ولا أود ان أطيل .. شكرا معالى وزير البترول والثروة المعدنية أنك أيقنت أن هناك أزمة ، وأن هناك شكاوى قَدمت ، وأن هناك مواطنين تضرروا .