عبد الناصر البنا يكتب : تطوير الأهرامات .. والحفاظ على الهوية البصرية !!

للصعايدة قول عامى مأثور هو ” العجل فى طينه ” ومفادة أن الوضع على ماهو عليه ، وأنا هنا أقصد الجدل الدائر منذ فترة حول تطوير منطقة الأهرامات بين المرشدين السياحيين والشركة المطورة خاصة بعد إصرار الأخيرة على دخول السياح بواسطة ” باصات الشاتل ” ، وحتى بعد زيارة م. نجيب ساويرس لتفقد الأوضاع فى المنطقة .
حاصل القول أن المنطقة المحيطة بالمتحف الكيير يبدو أن الحديث عنها قد يطول ، حيث تشهد المنطقة حاليا نشاطا غير عادى ، وفى سباق مع الزمن للإنتهاء من أعمال التطوير قبل إفتتاح المتحف الكبير الذى تم تحديد الـ 3 من شهر يوايو القادم كموعد نهائى للإفتتاح ،
العجلة فى تنفيذ أعمال تطوير هذه المنطقة قد توقعنا فى كثير من الأخطاء التى يصعب تداركها فيما بعد ، أو تزيد من تكلفة معالجتها ، ودعونا نبدأ من ” الهوية البصرية ” هذا المصطلح الذى تم عرضه أمام الرئيس خلال جلسة ” إستراتيجية بناء الإنسان المصرى ” ضمن فعاليات الموتمر الوطنى السادس للشباب بجامعة القاهرة
وهو المشروع الذى أسند إلى مصممة جرافيك شابة تم إتهامها فيما بعد بسرقة بعض الرسومات الخاصة بفنان روسى لاستخدامها فى تطوير الهوية البصرية فى محطات المترو ، القضية التى تابعناها جميعا .. ولاداعى للإطالة فيها .
فكرة المشروع براقة هدفها خلق هوية بصرية لمصر وجميع محافظاتها . والفكرة فى حد ذاتها مطبقة فى دول كتيرة منها البرتغال ونيويورك فى أمريكا وغيرها ، ولو طبقت فى مصر وما أدراك ما مصر وأطلق عنانك للتفكير ، لكن مصيبتنا أننا نؤأد كل مشروع براق بالوساطة والمحسوبية ، وأن توكل الأمور لأشخاص غير متخصصين ، كما سبق مع المصممة الشابة التى إحتفى بها الاعلام ، وهاجت الدنيا وماجت ، ومكانش ناقص غير أنها تنزل لنا من حنفيات المياة
المهم أن فكرة ” الهوية البصرية ” وجدت قبولا فى الأقصر وفى شرم الشيخ ، وأنا قرأت لافتات تحمل هذا المعنى على طريق دائرى المنيب ، وكانت لفتة جميلة أن يتم طلاء واجهات العمارات بطول الطريق ، وهذا الأمر المفترض أنه من صميم عمل المحليات التى يتحتم عليها أن تمتنع بداية عن توصيل المرافق لأى عقار لايقوم بطلاء الواجهات ، ونحن لانخترع العجلة ، ولنا فى دول الجوار القدوه والمثل ، ففى مدينة المرسى فى العاصمة التونسية تستمع بجمال مبانيها البيضاء وشرفاتها باللون الأزرق زرقة البحر ، والموضوع غير مكلف ولايحتاج لأوامر عليا حتى يقوم مسئولى الأحياء بتنفيذه ، لكنه الروتين والببروقراطية التى تكبل كل صاحب فن وذوق رفيع فى هذا البلد .
أما مايعيب مشروع الهوية البصرية فى الطريق الدائرى من وجهة نظرى المتواضعة ، هو تلك اللوحات المصنوعه من مادة ” الفلكس فيس ” التى أعتقد أنها لن تعمر كثيرا بفعل الشمس الشديدة والعوامل الجوية ، وحتى لايأخذتا الكلام بعيدا عن تطوير المنطقة المجاورة للمتحف الكبير ، والذى يبدو لى أن التخبط هو سيد الموقف فيها ، إذا كنا نبحث عن ” الهوية البصرية ” فى منطقة محط أنظار العالم ، فهل يعقل أن يتم عمل نصب تذكارى برونزى تجريدى لايمت لا للتاريخ ولا للحضارة بصلة من قريب أو بعيد ، ويتم وضعه فى مدخل المتحف على طريق الفيوم ، والطريف أنه تبقى بعضا من كتل الأحجار الكبيرة فتم بعثرتها حول النصب .. شىء محزن للغاية .
العمل على قدم وساق فى تنقيذ مدخل لمحطة المترو المواجهة للأهرامات بالقرب من فندق ” مينا هاوس ” وعلى
مايبدو أنها تتخذ شكل الهرم نموذجا لها .. والسؤال : أليس فى ذلك تشويش على بانوراما الهرم نفسها . لماذا أصدم
السائح الشغوف برؤية الهرم بهذا المجسم الخرسانى ، إذا كان هو على بعد خطوات من البانوراما نفسها ، أعتقد
أنك لن تجد مثيلا لذلك الفكر عند زيارتك لضريح ” تاج محل ” فى الهند ، أو “ساعة بيج بن ” فى لندن ، أو ” برج بيزا
المائل ” في ولاية توسكانا بإيطاليا ، أو حتى فى ” البتراء ” بالأردن ، أو فى مدخل ” برج إيفل ” في ساحة Champs
de Mars بباريس .
إذا كنا تبحث عن التاريخ والهوية لدينا أعمدة ” زهرة اللوتس” وسبق أن تم إستخدامها فى مبانى كثيرة وتركت
إنطباعا جيدا سواء فى محطة قطارات الجيزة وغيرها ، ولدينا أيضا مدخل ” معبد الكرنك ” وأمامنا هذا التصميم الرائع
للمحكمة الدستورية العليا على نيل القاهرة .
والسؤال الذى لا أكل ولا أمل من تكراره .. إين الجهاز القومى للتنسيق الحضارى ؟ أين الجهابذة من أساتذة الجامعات
المصرية ، أين أساتذة العمارة ، والفنون التشكيلية ، ومهندسو الديكور ، لماذا لايتم الاستعانة بهم وأنا على يقين تام
أنهم على أهبة الاستعداد لوضع التصميمات بدون مقابل .
وفى تراثنا الشعبى الكثير من الأمثال العامية ، والمثل يقول ” إعطى العيش لخبازه ” فهل تاه عنا خباز العيش . أم أن
الكل أصبح خبازا للعيش ، وإختلط الحابل على النابل . سوف نقف كثيرا أمام محكمة التاريخ للسؤال حول التفريط أو
التهوين فى وضع صورة بصرية تليق بمنطقة هى فى المقام الأول ” تراث للإنسانية ” ومكان تتمنى كل شعوب العالم
أن تزوره . جميل أن يقام سور على الطراز الفرعونى فى المنطقة المحيطة بمساكن الرماية لكن الغير جميل أن يتم
تكسيته بالحجر الهاشمى لعدم ثباته على الجدران بفعل الشمس والرياح وعوامل التعرية فى هذا المناخ الصحراوى
الجاف ، إلا إذا كانت النية مبيتة على القيام بأعمال ترميم دائم له .
الكبارى التى تم إقامتها على طريق الفيوم فى المنطقة أمام مدينة حدائق الأهرام بهدف التقليل من حوادث السير ،
للأسف إختيار أماكن إقامتها جاء على عجلة أوقعتها فى أخطاء يصعب تداركها تخص سوء إختيار أماكن إقامتها حتى
بعد تركيب السلالم الكهربائية لايتم إستخدامها وأصبحت “خيال مآته” ، التخطيط ياسادة ودراسة الجدوى شىء مهم
جدا ، وفريضه غائبه فى تنفيذ أغلب الأعمال للأسف .
هذا الكم من أشجار النخيل التى زرعت بطريقة عشوائية وبلا هدف أو جدوى بل وإضاءتها ” سبوت لايت ” إنفاق غير
مبرر ، ولكى لا أطيل . أنا والله لا أنظر أبدا إلى النصف الفارغ من الكوب ، وأنا المتفاءل بطبعى ، ولكنها أشياء بسيطة ،
ولن تكلفنا شيئا ، خاصة لو تم وضعها فى الاعتبار ، أو لو أسندت الأمور لذوى الخبرة ، لكن يبدو أننا لم نأخذ الدرس
والعبرة من مصممة الجرافيك المسنودة التى جعلتنا أضحوكة العالم .. حفظ الله مصر !!