الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب : ” الهند – باكستان”..وحرب الثمانين عاما !!

يعيش العالم حالة من الترقب المصحوبة بالخوف، ولن أبالغ إذا قلت بالرعب جراء تجدد الصراع والمعارك بين الهند وباكستان تخوفا من عودة الحرب بين الدولتين النوويتين ، الأمر الذى يؤدي إلى تداعيات خطيرة على كافة المستويات ، لا سيما العسكرية والاقتصادية فالأوضاع لا تحتمل تراجعا جديدا فى ظل ما تعانيه مختلف بلدان العالم المتقدم منها قبل النامى خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ جائحة كورونا وتداعياتها التى أصابت اقتصاديات كبريات الدول ومن بعدها اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية ، ثم الأزمة الطاحنة التي ألمت بالمنطقة بسبب اندلاع الصراع في غزة وأخيرا وليس آخرا تجدد المعارك بين الهند وباكستان خاصة وأنها تأتى بصبغة دينية وعرقية ، يراها الكثيرون حربا بالوكالة !! .
و الخلاف بين الهند وباكستان حول كشمير بدأ منذ تكوين الدولتين تقريبا ، ففى عام 1947 قسمت بريطانيا مستعمرتها السابقة ” الهند” إلى دولتين “باكستان” ذات الأغلبية المسلمة، و” الهند ” ذات الأغلبية الهندوسية، بينما تُرك مصير كشمير معلقاً ، وخلال أشهر قليلة من التقسيم، ادعت كل من الدولتين حقّها في الإقليم، فاندلعت المواجهة العسكرية. واضطر الأمير الهندوسي الذي كان يحكم كشمير، والذي رفض في البداية التنازل عن سيادته، الانضمام إلى الهند مقابل ضمانات أمنية، بعد دخول ميليشيات باكستانية أجزاءً من إقليمه، وهذا هو النزاع الأول بين البلدين من أجل كشمير
وفى يناير 1949، انتهت أول حرب بين الهند وباكستان بشأن كشمير بعد تدخل الأمم المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار ، الذي بموجبه رُسم خط يقسّم الإقليم، فاحتلت الهند نحو ثلثيه، وباكستان الثلث المتبقي ، وكان من المقرر أن يكون هذا الخط مؤقتاً إلى حين التوصل إلى تسوية سياسية دائمة ، ولكن
فى عاما 1965 اندلعت الحرب مجدداً ، وذلك بعد مناوشات على الحدود جنوب كشمير وعندما شنت باكستان هجوماً عبر خط وقف النار في كشمير في أغسطس من نفس العام تصاعد القتال سريعاً إلى حرب شاملة، استمرت نحو 3 أسابيع وخلّفت دماراً واسعاً وفي يناير 1966، وقّعت الدولتان اتفاقاً لحل الخلافات مستقبلاً بالطرق السلمية.
إلا أن هذا الهدوء لم يستمر طويلاً ،
وبعد حرب إقليمية في عام 1971 أدت إلى قيام بنجلاديش التى انفصلت عن باكستان مما دعا الهند وباكستان الى إعادة النظر في مسألة كشمير العالقة.
وفي ديسمبر 1972، أعلنت الدولتان حلّ الجمود حول خط وقف النار؛ لكنه لم يتغير شيء سوى اسم الخط، فأصبح «خط المراقبة» الرسمي، مع احتفاظ كل من البلدين بالجزء الذي كان يسيطر عليه لأكثر من 20 عاماً.
ورغم أن الاتفاق لم يبدّل الكثير في الواقع، فإنه حمل أملاً بتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.
ثم شهد الصراع بين الدولتين فترة من الاضطرابات السياسية، تفاقمت عام 1987 جراء خلافات حول انتخابات محلية وصفت بأنها مزوّرة، مما جعل بعض الكشميريين يتجهون إلى العنف المسلح، واتهمت الهند باكستان بدعم هذا التوجه.
وخلال العقد التالي، سجّلت الشرطة في كشمير عشرات الآلاف من التفجيرات والهجمات بالخناجر وقذائف الهاون والخطف .
ومع حلول الألفية الجديدة بدأ هذا العنف يتراجع ، لكن سنوات التمرد العنيفة قد أضعفت بشدة علاقة الثقة بين الهند وباكستان.
و مع ذلك ظهر للعيان أن الهند وباكستان قد تكونان على أعتاب سلام دائم ، ففي فبراير 1999، استضاف رئيس وزراء باكستان نظيره الهندي في زيارة رسمية بعد غياب دام لمدة عقد كامل. وتم توقيع وثائق تؤكد التزامهما بتطبيع العلاقات بين البلدين ، حيث قال نواز شريف، رئيس وزراء باكستان آنذاك، في مؤتمر صحفي عالمى «يجب أن نجلب السلام لشعبينا، ويجب أن نجلب الازدهار لهما. نحن مدينون بذلك لأنفسنا وللأجيال القادمة»، لكن بعد 3 أشهر، اندلعت الحرب مجدداً، وكانت كشمير نقطة النزاع.
بدأ القتال بعد تسلل مسلحين من باكستان إلى الجزء الخاضع للهند. وأكدت نيودلهي أن هؤلاء المسلحين جنود باكستانيون، بينما نفت باكستان ضلوع قواتها، عادّة أنهم «مقاتلون مستقلون».
وانتهت الحرب بعد أن طلب شريف انسحاب المسلحين (مستمراً في نفي تبعيتهم لباكستان)، ثم أُطيح به بعدها بانقلاب عسكري قاده جنرال باكستاني تبين لاحقاً أنه أمر بالعملية التي أشعلت الحرب في كشمير .
و ظلّت كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم بعد حرب 1999، وبلغ التوتر ذروته عدة مرات منذ ذلك الحين.
وكان آخر تصعيد كبير في 2019، حين وقع تفجير قتل خلاله 40 جندياً هندياً على الأقل. وردّاً على ذلك، شنت الهند غارات جوية داخل باكستان، لكن التصعيد توقف قبل تحوّل المواجهة إلى حرب شاملة.
وفي أغسطس 2019، ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي فى ذلك الوقت “ناريندرا مودي” الوضع الخاص لكشمير، الذي كان مكفولاً في الدستور الهندي منذ انضمام كشمير إلى الهند.
وتزامن مع ذلك اتخاذ حزمة من الإجراءات الصارمة تضمنت حشد آلاف الجنود الهنود، وقطع الإنترنت والاتصالات في الإقليم، وتسلمت نيودلهي إدارة الإقليم مباشرةً، علاوة على اعتقال آلاف الكشميريين، بمن فيهم زعماء سياسيون مؤيدون للهند .
و في 22 أبريل الماضى عادت الأوضاع إلى الاشتعال مرة أخرى بين البلدين بعد أن أطلق مسلحون النار وقتلوا 26 شخصاً، معظمهم سياح من أنحاء الهند، قرب “باهالغام ” في كشمير، وأُصيب 17 آخرون وهو ما وصف بأسوأ الهجمات على المدنيين الهنود منذ عقود !! .
وبعد الهجوم لمّحت السلطات الهندية على الفور إلى اضطلاع باكستان وتورطها فيه ، و تعهد رئيس الوزراء الهندي مودي بمعاقبة مرتكبي الهجوم ومن يدعمهم، دون ذكر باكستان صراحةً ، ومع ذلك نفت الأخيرة مشاركتها أو حتى علمها بهذا الهجوم ولكن الهند لم تقتنع ببراءة باكستان حتى اندلعت المعارك مجددًا بينهما فجر الأربعاء الماضي مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى بين الجانبين وسط تخوف الملايين حول العالم من تجدد حرب ” الثمانين عاما ” مرة أخرى بين الدولتين النوويتين .