الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب: استغلال الأثر .. لا إهانته !!

الكاتب الصحفي عصام عمران

فى نهاية حقبة التسعينات من القرن الماضي أراد الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق ” متعه الله بموفور الصحة والعافية ” تنفيذ مشروع متكامل لتطوير منطقة باب العزب الواقعة فى محيط قلعة صلاح الدين، حيث كان من المزمع تهيئة المنطقة التى كانت أشبه بمقلب قمامة وتحويلها الى مزار سياحى عالمى من خلال إقامة فندق خمس نجوم ، إضافة إلى مجموعة محال وبازارات لخدمة الزوار من السائحين المصريين والأجانب و ذلك استغلالا لما تحويه المنطقة من معالم ومواقع تاريخية وأثرية مهمة.

وعند البدء في تنفيذ المشروع، بل فور الإعلان عنه فقط “قامت الدنيا ولم تقعد” كما يقال .. حيث فتح عدد من الكتاب والآثريين النار على فاروق حسني واتهموه بتشويه واحدة من أهم المواقع الأثرية العالمية لدرجة انهم رفعوا قضايا أمام المحاكم فكانت النتيجة تراجع ” حسني ” عن المشروع وبقيت منطقة باب العزب على حالها كمقلب للقمامة وأظنها لا تزال كذلك !! .

تذكرت تلك الواقعة وأنا أتابع ما أثير مؤخرا حول عملية استغلال الدولة لعدد من المواقع الأثرية والتاريخية اقتصاديا بهدف تحقيق المزيد من العوائد المالية، لاسيما العملات الأجنبية وفي القلب منها مناطق أهرامات الجيزة الخالدة و سقارة ومعابد الأقصر ووادى الملوك والملكات، إضافة إلى بعض المواقع والمساجد بالقاهرة التاريخية وكذلك مسجد

محمد على بالقلعة وقصر البارون ، وهو أمر جيد ومطلوب سواء من أجل دعم الحركة السياحية أو بهدف تحقيق دخل

إضافى من العملات الصعبة يمكن استخدامها فى ترميم وتطوير هذه المواقع الأثرية وكذلك دعم موازنة الدولة، ولكن

يجب ألا يكون ذلك على حساب الأثر والإضرار به وإهانته من خلال إقامة أنشطة وفعاليات خطرة أو غير مناسبة، كما

شاهدنا من أحداث وقعت في منطقة الأهرامات أو مسجد محمد على وأخيرا وليس آخرا قصر البارون بسبب إقامة

المهرجانات وحفلات الأفراح والليالي الملاح، فالأموال مهمة ولكن آثارنا ومواقعنا التاريخية أهم .

وهذا لا يمنع أن هناك مكاسب وفوائد عديدة تعود على الدولة المصرية من الاستثمار فى الآثار ، فبجانب تنشيط

حركة السياحة الوافدة إلى الدولة المصرية ،وانعاكاسات ذلك على حالة الاقتصاد المصرى، فإن الأمر يمتد أيضا إلى

تعريف العالم بصور الحضارة المصرية العريقة التى تمتد لآلاف السنوات، فضلا عن إشراك القطاع الخاص لأول مرة فى

الاستثمار والاستفادة من مجال الآثار.

وفى هذا الإطار تسعى الدولة بشتى الطرق ممثلة فى وزارة السياحة والآثار ، و بالاشتراك مع المستثمرين من

رجال الأعمال فى الفترة الأخيرة لبذل كل المحاولات من أجل استعادة مصر إلى  مكانتها على خريطة السياحة

العالمية .

ومن هذا المنطلق يرى الخبراء و المتخصصون ، أن الدولة المصرية تأخرت كثيرا فى اتخاذ هذه الخطوة ، خاصة وأن

الاستثمار فى الآثار يحمل الكثير من الإيجابيات التى تعود بالنفع على المجتمع ، فى ظل أن مصر تمتلك تاريخا كبيرا

يضم كل الحضارات .

مع الأخذ فى الاعتبار أن حسن الاستثمار فى الآثار يجذب السياحة ، و أن فكرة إشراك القطاع الخاص للاستثمار

بالآثار تحتاج إلى تطوير بشكل مستمر ووضع خطط واستراتيجية تضمن عائدا قويا لصالح الدولة مع ضرورة الترويج

للمناطق الآثرية في مصر واستخدامها كجاذب رئيسى للسياحة من خلال تنظيم الأحداث العالمية بالمناطق الآثرية

سواء الاهرامات أو القلعة ، مع إشراك المجتمع الأهلي وسكان المناطق الآثرية لتوعيتهم بالفوائد العائدة عليهم من

الاستثمار فى المناطق الآثرية من تطوير البيئة المحيطة بهم.

ويرى الخبراء أيضا أن مصر تتميز عن معظم بلدان العالم من حيث حجم الآثار لأنه موروث ثقافى وحضارى ، ويجب

حسن استغلالها والترويج لها من خلال إنتاج أفلام عن الحضارة القديمة أو إنشاء قناة خاصة عن الآثار ، التي تشهد

طفرة غير مسبوقة تحت قيادة الرئيس السيسي والحكومة الحالية حيث لا يمر أسبوعا واحدا إلا ونجد اجتماعا يتعلق

بالآثار، فضلا عن افتتاح عدد كبير من المتاحف والمواقع الآثرية و الاستعدادات حاليا تجرى على قدم وساق لافتتاح

المتحف المصرى الكبير الذى يعد إنجازاً غير مسبوق ينتظره العالم أجمع .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.