الكاتب الصحفي محمد يوسف العزيزي يكتب :  البيت الأبيض.. حين يسكنه الخيال!

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

منذ أن بدأ ولايته الثانية لا يكفّ ساكن البيت الأبيض عن إثارة الجدل، وكأن صناعة الفوضى باتت نهجًا لا يتغير.. وعود انتخابية براقة أطلقها بثقة عالية منها إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، وأنه لو كان رئيسا مكان سلفه بايدن لما وقعت الحرب من الأصل..  إلى وقف نزيف الدم في غزة .. مرورًا بأحاديث عن حماية دافع الضرائب الأمريكي من تمويل الحروب وغير ذلك من وعود ..  لكن الواقع كشف هشاشة تلك الوعود، وأثبت أن الخطابات لا تصنع إنجازات !

فجاءت محاولة شراء جزيرة “جرينلاند” الدنماركية، والتهديد بضم كندا إلى الولايات المتحدة، كمؤشرات إضافية على انحراف البوصلة السياسية للساكن الجديد القديم ، وكأن الرجل يحاول فرض خياله على خريطة العالم.. وأن يأمر أو يشير بإصبعه فتتغير الجغرافيا وترتعد الفرائص

وبقرارات عشوائية متقلبة أشعل حربًا اقتصادية عالمية حين قرر فرض جمارك ضخمة على واردات بلاده مما سبّب خسائر بتريليونات الدولارات في الأسواق العالمية ، وفي مشهد بدا وكأنه مأخوذ من رواية خيال سياسي استفاد أصدقاؤه من رجال الأعمال من انهيار مؤقت في الأسهم ثم عادوا ليجنوا الأرباح مع صعودها مجددًا وساكن البيت الأبيض يتفاخر في تبجح وهو يشير إلي أصدقاءه المحظوظين بجني المكاسب  في واحدة من أكثر الحالات التي أثارت الشكوك حول تضارب المصالح !

ومع مرور 100 يوم على ولايته، بدأ يبحث عن “إنجاز” حقيقي فلم يجد .. فمعظم ما قرره تراجع عنه كليا أو جزئيا ..  ثم بدأ يروّج لمواقف مصطنعة أراد أن يبدو فيها كقائد يسيطر على المشهد العالمي، لكنه اصطدم برفض حلفائه قبل خصومه وارتطم بواقع لا يعترف بالوهم !

ولعلّ أحدث حلقات الهرتلة التي بدأها مطالبته بمرور سفن بلاده من قناة السويس مجانًا وبأولوية تحت ذريعة أن أمريكا “تحمي” قناة السويس وتحفظ الأمن في البحر الأحمر.. متجاهلًا أن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي.. بل رمز سيادة وطنية ارتبط بتضحيات شعب وجيش، ومتجاهلا  – وهو يعلم – أن قناة السويس ليست قناة بنما ، وأن مصر والجيش المصري والشعب المصري والقيادة المصرية لهم جميعا الكلمة الفصل في قضايا وثروات ومقدرات مصر ، وأن رفضهم من البديهيات ، وهو لا ينسي رفض مصر للتهجير القسري أو الطوعي للشعب الفلسطيني ، ورفض تصفية القضية الفلسطينية ، وضياع حلم الريفييرا علي شاطئ غزة !

وأجزم أن طلب ساكن البيت الأبيض يبدو في حقيقته محاولة مكشوفة لتبرير الانسحاب من البحر الأحمر بعد تزايد

الخسائر من هجمات الحوثيين وإيران، دون أن يبدو هذا الانسحاب “انكسارًا” في نظر الداخل الأمريكي !

المشهد يذكرنا بمحطات كثيرة فشلت فيها أمريكا رغم تفوقها العسكري .. فيتنام، الصومال، أفغانستان، العراق، وها

هي الآن ترتب أوراقها للخروج من سوريا!

ومع ذلك لا يزال ساكن البيت الأبيض يتصرف كما لو أن العالم مسرح لخيالاته السياسية، يدهشه التصفيق لكنه لا

يسمع أصوات الاستهجان، ويُصدر القرارات ثم يتراجع عنها كأن شيئًا لم يكن

العالم بات معتادًا أن يستيقظ كل يوم على تصريح غريب أو اقتراح عبثي، ومع كل تصريح… تسقط ورقة جديدة من

شجرة الهيبة الأمريكية الزائفة

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.