الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : البئر المعطلة

حاول ان يزرع شجرة فى صحراء الوقت ، يمتد ظلها بين الأرض والسماء ، تختبئ العصافير بين أغصانها ، تملأ الفضاء زقزقة ، وترف بجناحين نحو المدى حتى تبلغ المستحيل ،
فى صحراء الوقت رمال وشمس وهجير ، وهجير ورمال شمس ، انهزم الليل تحت وطأة ضربات النهار الساخن ، البئر المعطلة جفت ، ينتظر بجانبها الثعالب والسحالى والثعابين ،
الشيخ المعمم تعثر وهو يرتقى درجات المنبر ، أنساه الألم الموعظة فى خطبة الجمعة ، تساند وصعد درجة وأكمل الثانية ، شعر بحشرجة فى صدره ، ارتعب ، حين نظر الى أعلى وجد الملاك ينتظره ، تسمر مكانه وأحاطت به الرمال الصفراء وشيئ من انكسار ،
دار حول البئر المعطلة فداهمه الوقت .. تنتشر الزهور حين يرحل الشتاء ويحل الربيع .. الربيع فنان يمسك بالفرشاة يغمسها فى الألوان المبهرة ، يلون صفحة السماء وأوراق الأشجار ، والزهور قصيرة العمر على حوائط الحدائق ، والزهور فى الأوانى الفاخرة فى صالونات الأغنياء ، وزهور المحبين الفقراء بين ضفتي كتاب
الربيع فنان يمضى جُل وقته يصنع البهجة والسعادة ، لكنه يرحل سريعاً .. سريعاً .. متعجلاً ، قبل هجير الصيف فى صحراء الوقت ..
رفع عرابى راية العصيان وصرخ بصوته الجهير ، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، لم يعد إلى عرابى بعد صرخته المدوية غير صدى الصوت ، والسفر الطويل نحو البلاد الغريبة والناس العجيبة
وحين عاد زفه الأولاد فى الحوارى وصبى القهوجي ولاعب الكرة وبائع الكلام ، والزعيم الهمام
هرب عرابى إلى صحراء الوقت ، ومات وهو يرنو الى قطرة ماء فى البئر المعطلة ، لا أنا ولا الشيخ ولا عرابى ولا الربيع ولا انت نستطيع غرس شجرة فى هذه الأرض مهما طال الوقت .. مهما طال الوقت .. مهما ..