فى الأسبوع الماضى كتبت عن الأزمة التى تدور رحاها فى منطقة أهرامات الجيزة بين المرشدين السياحيين من ” أهل الخبرة” الغيورين على قطاع السياحة من جانب ، وبين شركة ” أوراسكوم بيراميدز ” المطورة لمنطقة هضبة الاهرامات على الجانب الآخر ، والتى تفجرت بسبب عجز الشركة المطورة عن إستيعاب التدفقات السياحية الكبيرة على منطقه الهرم ، لـ إصرارها على إستقلال “سيارات الشاتل” لدخولهم المنطقة الأثرية ، وهو مايسبب مشقه بالغة للسائح ، إضافة إلى عكس مسار الزيارة وفقا للمخطط الجديد ، وهى الأزمة التى لم تنته بعد ، رغم الجولات المكوكية للسيد رئيس مجلس الوزراء ومرافقيه .
وعلى مايبدو أن هذه الأزمة تنتظر تدخل رئيس الجمهورية شخصيا لاصدار توجيهاته ، كما حدث فى أزمة الدراما التى أصبحت تسىء إلى سمعة مصر فى الداخل قبل الخارج ، بعد أن كانت الدراما المصرية هى سفير فوق العادة للقوة الناعمة المصرية ، بالقدر الذى جعل الجميع يترحم على قطاع الانتاج بالتليفزيون المصرى ، وأعتقد أن الأزمة التى تفجرت مؤخرا فى منطقة الأهرامات تنتظر توجيهات السيد الرئيس شخصيا لوضع حل لمايحدث .
ولكن دعونا ننظر إلى الموضوع بطريقة أشمل وأبعد من الخلاف القائم على تغيير مسار الزيارة أو الدخول بسيارات الشاتل .. إلخ . وهو هل التطوير الذى تم فى منطقة الأهرامات الذى أسند إلى الشركة المطورة فى عهد وزير السياحة السابق ” مرشح مصر لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو ” هل يراعى الحفاظ على هوية المكان . وهل تم أخذ رأى لجنة التراث العالمى فى منظمة اليونسكو عند إجراء عملية التطوير ؛ خاصه وأن منطقة الأهرامات مدرجه ضمن قائمة التراث العالمى ؟
على أرض الواقع والله أعلم ، أعتقد أن هذا الاجراء إذا لم يتم سوف ينتقص كثيرا من رصيد مرشح مصر لهذا المنصب الهام ، أما مايتعلق بهوية المكان ، فالمنطقة كما ذكرت لها خصوصيتها كونها ضمن قائمة تراث الانسانية العالمى التى يجب إحترامها عند القيام بأى عملية تطوير ، فأى عملية تطوير لابد أن تكون مدروسة بدقة وعناية فائقة ولاتترك الأمور على عواهلها أو للأهواء الشخصية أو الفكر التجارى البحت ، اليوم تم السماح بإنتهاك خصوصية المكان بإقامة مطعم أو كافيتريا فما بالك بشكل المكان بعد عشر سنوات أو أكثر وقد تحول إلى سوق عكاظ !!
فى سياق الحديث عن الأزمة مع أصدقائى المقربين من المرشدين السياحيين ممن يطلق عليهم ” وطنى حتى النخاع ” الأستاذ حسن النحلة ” النقيب السابق للمرشدين السياحيين ” ، والمصرى الأصيل الباحث فى التراث إبن قرية المريس بالأقصر ، ومؤسس فريق جميزة الأستاذ ناصر النوبى منصور ، تحدث النوبى بمرارة وقال : أنا شايف أن خطة التطوير نفسها لمنطقة الأهرامات تحتاج إلى خطة تطوير ، وأضاف : أن هناك من يعكف الآن على وضع تصور جديد لشكل الزيارة فى منطقة الأهرامات تختلف تماما عما يحدث الآن .
وتساءل النوبى : برأيك هل تعتقد أن التطوير الذى حدث سوف يكون له تأثير على طمس هوية المكان .. أم لا ؟
النوبى المهموم بقضايا وطنه والغيور عليها غيرة بنى جلدته ممن حملوا هموم هذا الوطن يقول : أنا سألت السؤال دا ليه ؟
ويقول : كان معى سائح هو خبير إقتصادى أسبانى تولد لديه تخوف من أن تتحول منطقة الأهرامات لتشبه ” شلالات
نياجرا ” التى تغيرت بفعل التطوير الذى حدث فيها عن زيارته الأولى لها منذ عدة سنوات ، وأصبحت مايشبه المركز
التجارى الذى يعج بالمطاعم والكافيهات والسيرك والملاهى .. إلخ ، وهو نفس الشىء الذى بدأ يحدث بالفعل فى
منطقة الأهرامات ، فاليوم تم السماح ببناء مطعم أو كافيتريا فى حرم المنطقة الأثرية التى لها قدستها ، ولاندرى ماذا
سوف يحدث غدا .
وإختتم النوبى حديثه : بأنه لا أحد ضد التطوير الذى يضيف إلى المكان ولا ينتقص من خصوصيته ، إنما الخطورة أن
يساهم هذا التطوير فى الطمس ” القهرى ” لهوية المكان ، وإنتقد بشدة الحفلات التى تقام فى ” معبد مدينة هابو “
بالأقصر ، وتلك التى تقام فى جامع محمد على بالقلعة ، وهى كلها أماكن مقدسه لايصح أن تداس بالأحذية ، الآثار
ياسادة لابد أن يتم التعامل معها بإحترام ؛ تعامل يختلف تماما عما هى عليه الآن ، إن مايحدث من حفلات صاخبة
وديسكو تيك فى منطقة الأهرامات سوق يكون له عواقب وخيمة على الآثار على المدى البعيد ، بفعل الإهتزازات
الناتجه عن السماعات والاضاءة المبهرة .. إلخ .
الحديث مع النوبى والنحلة حديث ذو شجون ، ولذلك فأنا أرى أنه يجب أن يستمع إليهم كل غيور على هذا البلد ، وأنا
أعتقد أن الخطوة القادمة التى سوف تحل بها هذه الأزمة سوف تكون بتعليمات مباشرة من رئيس الجمهورية مفادها
تشكيل لجنة من الخبراء والمتخصصين لمراجعة خطة التطوير الحالية ، وإلى أى مدى هى تراعى عدم طمس هوية
المكان حاليا وعلى المدى البعيد . وعما إذا كان هناك رؤية بديلة للتطوير القائم الآن تحافظ على قدسية المكان تحت
إشراف اليونسكو .
وأنا بدورى أناشدك فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى بسرعه التدخل لنزع فتيل الأزمة ووضع الحلول المناسبة لها
وفقا لكل الاعتبارات السابقة ؛ ولا أريد أن أزيد لكى أدلل على خطورة الأزمة ومردودها السلبى على قطاع السياحة ؛
خاصة بعد التراجع الملحوظ فى اعداد المترددين على منطقة الأهرامات طوال الأيام القليلة الماضية .. حفظ الله مصر .