الدكتور هيثم الطواجني يكتب : آليات تفكيك الدول (1 )

الدكتور هيثم الطواجني

– نشأت فكرة الدولة ومرت بعدة مراحل في طور تكوينها، وتطورت عبر الزمن وصولاً إلى مفهوم الدولة الحديثة الذي لم يتشكل بين عشيَّة وضحاها، بل نتاج لتاريخ طويل من تطور المجتمع عبر العصور المختلفة، وكان المصري القديم “المبتكر الأول لكل علوم الدنيا وتطبيقاتها الحالية” أول من أستوعب فكرة مفهوم الدولة وما سبقه إليه أحد، وطبقه على أرض مصر دون سائر شعوب الارض في ذلك الزمن البعيد.

– فمن المنطقي أن الإنسان الأول شَرَعَ وأسس نظامه الاجتماعي كأسرة صغيرة، استقرت بجوار النهر، وسكن بجانبه أولا ليشرب، ثم تعلم أن يزرع ليؤمن قوت يومه، فكان لزاماً عليه أن يقيم على ضفته، وبالتالي عليه أن يفكر كيف سيحمي نفسه وأسرته وما زرعه من ثورة النهر، وسرعان ما أكتشف أنه لا يستطيع استيعاب غضب الطبيعة وترويض النهر بمفرده، ولم يقوي على الزراعة والري والحصاد ومكافحة النهر، إلا بالتكاتف والعمل المشترك مع باقي الأسر التي تجاوره وتشاطره الحياة بجوار النهر وضفافه، ومن هنا ظهرت الحاجة الملحة للعمل الجماعي بين البشر، فبدأت بمجموعة من الأسر تعيش في جوار بعضها البعض، تشترك في عمل جماعي بهدف تأمين الغذاء والماء لأسرهم من أجل البقاء علي قيد الحياة.

– بدأ المجتمع الأول في النمو والتطور شيئاً فشيئاً، فمجموعة الأسر أطلق عليها أهل، وقسمت عليهم نفس المهام التي كان يضطلع بها رب أسرة واحدة، وبالتالي تقلصت مهامه ومسئولياته، وتطور المجتمع الصغير من الأهل إلى عشيرة، ونتيجة لزيادة عدد الأفراد داخل العشيرة، وبالتالي ازداد حجم الأعمال المرتبطة بالعشيرة، وأضيفت لها مهمة أخرى بخلاف المهام السابقة ألا وهي توفير الأمن والأمان، وأصبح من الطبيعي أن يكون هناك رجالاً يحمون نساء وأطفال العشيرة من غارات العشائر الأخرى المجاورة، بالإضافة إلي تأمين ما تمتلكه تلك العشيرة من أماكن تخزين الغذاء وتكديس الماء وأدوات الزراعة ووسائل الري والدواب والماشية وخلافه.

– وباستمرار الحياة تزايد عدد السكان، وتصاهرت العشائر وكونت ما يعرف بالقرية، وتطور مفهوم الأمن والتأمين داخلياً

ثم تحول إلى مفهوم آخر أشمل وأكبر وهو ما يعرف بالأمن الخارجي للقرية لمنع غارات الآخرين، أو للإغارة على

القري والعشائر الأخرى، وتطلب ذلك انتقاء عناصر للقيام بهذه المهمة التي تحتاج إلى أدوات ووسائل مختلفة شكلت

في بدايتها المفهوم البسيط للصناعة، وأفراد آخرين لحفظ الأمن الداخلي، ورجالاً لمهمة تأمين موارد القرية “المخازن”.

– وبالتقاء أهداف قريتين أو أكثر وبتطابق المصالح المشتركة لهم نشأت فكرة الأمارة أو الدويلة، التي اهتمت بتعليم

وتعيين حدودها، وتقوية دفاعاتها وتحصينها طبقاً للمتاح في ذلك العصر من إمكانيات، وتعزيز القدرات المتاحة للحفاظ

على مصالح وهوية وشخصية سكان هذه الإمارة.

– وأصبح لكل إمارة أو دويلة طابع خاص بها، ودين خاص، ولغة يختص بها سكانها، وزي مميز، ومحاصيل تشتهر بها،

وثروات ذاتية، وبضائع تمتاز بها عن أقرانها لتنشأ فكرة التجارة وفق أعراف متفق عليها تطورت لتصبح قوانين ملزمة

للأطراف كلها، بعد أن كانت أغلب المعاملات بالمقايضة داخل العشيرة والقرية، واستمرت الامارات في التوسع حتى

أصبحت الحدود مشتركة، والمصالح متضاربة، والأهداف متباينة (وللحديث بقية).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.