جهاد شوقى السيد تكتب: الكبر والنرجسية في النفوس البشرية

انتشر مصطلح النرجسية في الآونة الأخيرة في كثير من البرامج التلفزيونية وأيضا علي وسائل التواصل الاجتماعي، واتخذ بعض من مشاهير المنصات الإلكترونية من هذا المصطلح مصدر رزق لهم، ويمكن أن نعرف “النرجسية” بأنه مرض نفسي يصيب بعض البشر ويصعب العلاج منه لعدم اعتراف المصاب به بأنه يحتاج إلي العلاج، ويمكن أن نبسط هذا المصطلح بأنه نوع من أنواع الكبر والغرور الذي يصيب قلب الإنسان ولأن المرض النفسي أخطر من المرض العضوي لعدم وجود دواء يمكن تناوله للشفاء منه، وأيضا لوجود عوامل مساعدة تعين علي الحد من العلاج من هذا المرض، فيجد الشخص المتكبر والمغرور نفسه الإمارة بسوء ووسوسه الشيطان وشياطين الإنس والجن تعينه علي التكبر والنرجسية المفرطة، فأمراض النفس هي أخطر ألف مرة من الأمراض العضوية، والشخص النرجسي هو خطر علي أي كيان يتواجد فيه سواء أسره أو عمل أو مركز مرموق فهو يقود كل مما سبق إلي الهاوية والسقوط وهو لا يراه نفسه شخصا سيئا أو مخطئا بالعكس تماما فهو يرى نفسه مصلح وعلي حق دائما، وفي بعض الأحيان أيضا يرى نفسه ضحية ومظلوم، فهم من ذكرهم الله في كتابة الكريم بسم الله الرحمن الرحيم “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا” وكما قال الله تعالى “أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا” صدق الله العظيم.
أول مرض نفسي أصاب إبليس اللعين
ولم يولد هذا المرض الخطير علي الأرض أولا ولم يكن الإنسان أول من يصاب به، فهو أول مرض نفسي أصاب إبليس اللعين وكان سبب خروجه من -رحمه الله- عز وجل، فقد كان إبليس من الجن العابدين لله في الأرض فكرمه الله سبحانه برفعه للملإ الأعلى مع الملائكة، لأن إبليس مخلوق من نار، خلافا للملائكة الذين خلقهم الله من نور، وكان إبليس مميزا عن بقية سلالته، وسكن الجنة مع الملائكة وكان يعلم بأن الله ميزة لهذا كان مع الملائكة وقد خصه الله -عز وجل- في قوله “وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين” فبعد أن كان يعبد الله ويتوسل إليه حتى رفعه الله وتشبه بالملائكة، عصى أمر ربه وتكبر وكفر فكانت هذه أول مرة يظهر فيها هذا المرض الخطير- الكبر أو النرجسية- فإبليس لم ير نفسه مخطئا لعدم الانصياع لأمر الخالق -عز وجل- وقال “خلقته من طين وخلقتني من نار” فكيف أسجد له؟ ولم يعلم إبليس أنه طرد من رحمه الخالق، فلم يقدم إبليس على التوبة بعد عصيانه، بالتمادي في كبره وغروره وحقده علي آدم الذي أمر أن يسجد له وكيف بمخلوق من النار أن يسجد لمن خلق من معدن أقل في نظره وهو الطين ولكن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء ويفعل ما يشاء وهو مالك الملك.
أخطر الأمراض الموجودة علي الأرض
فلهذا هو في نظري أخطر الأمراض الموجودة علي الأرض، وسبب انتشار الكبر والنرجسية في النفوس البشرية بكثرة هذه الأيام هو البعد عن الروشتة الربانية لهذا المرض الخطير وهو التقرب من الله والتذلل له والرجاء منه وحده وعبادته حق عبادته وليس بالشكل فقط وكثير من الشخصيات النرجسية نجدهم يبدعون في تمثيل الأدوار الدينية والحريصين على الصدقات وغيره من الأعمال التي تحسن صورهم في أذهان الناس ولكن ما في القلوب يكون عكس ذلك، فهم يريدون أن يراهم الناس بهذه الصورة ولكن الله يعلم ما في قلوبهم.
فعلي الإنسان أن يعلم جيدا أن الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور والآخرة هي دار الحق اعمل لها وليس للدنيا، وعلي الشخص النرجسي أن يتعظ من قصه إبليس فقد كان يعبد الله حتى رفع مع الملائكة ولكن الكبر كان سبب خروجه من الجنة، وعليك أن تعلم أنك لست مميزا عن غيرك، فقد يكون من هو أقل في نظرك هو أكبر عند الله، فصلاح القلوب أمر ملزم لنجاة المرء حيث قال الله تعالى في سورة الشعراء: “يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم” صدق الله العظيم.