محمد نبيل محمد يكتب : الامن الثقافى والهوية الوطنية
البداية التاريحية لبروتوكولات صهيون لم تكن يهودية(!)

البداية التاريخية كانت مع كتاب “حوار في جهنم بين ميكافيلي ومونتيسكيو” الذى طُبع في بروكسل ـ بلجيكا 1864 لان مؤلفه المحامى الفرنسى موريس چولى(1829- 1878) كان ينتقد الطموحات السياسية لإمبراطور فرنسا نابليون الثالث، ولأن نقد الأسرة المالكة فى فرنسا يعاقب عليه القانون الفرنسى، لذا نشر كتابه فى بلجيكا، وبطل كتابه هو: مونتيسكيو (1689 م – 1755م) المفكر السياسى الفرنسى كان ينادي بعدم الانفراد بالسلطة، وضرورة الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفى سياق من الرمزية والسخرية تناول جولى معالجته لنقده لنابليون الثالث، ويتفق هذا التأريخ مع الرأى الذى توصلت له تحقيقات صحفية نشرتها صحيفة التايمز اللندنية، ورغم مناورة جولى بطبع كتابه خارج فرنسا، إلا إن السلطات الفرنسية ألقت القبض عليه وحُكم عليه بالسجن 15 شهراً، وتم منع الكتاب من النشر.
وبعد أربع سنوات من واقعة جولى وفى 1868 اقتبس هيرمان جويدشى (1815 ـ 1878) أجزاء من كتاب جولى، وتحت اسم مستعاروقع جويدشى باسم “جون ريتكلف” وفى هذا الفصل تحدث ريتكلف عن مجموعة من أحبار اليهود الذين – حسب التقاليد القديمة لليهود – الذين يلتقون مرة كل مئة عام ليضعوا مشاريع وخطط لمستقبل اليهود فى العالم.
كما انه ثمة اعتقاد أن الشرطة السرية للقيصرية الروسية قامت بصورة متعمدة بنشر كتاب جون ريتكلف عن البروتوكولات لاستفادتها من تقليل نفوذ الحركات الثورية ضد القيصرية، وفض اتحاد اليهود مع البلاشفة ضد حكم القيصر نيكولاس الثانى، لذا قامت الشرطة السرية القيصرية باستخدام أحد رجال الدين الروس واسمه سيرجى نيلوس باعادة تأليفه للبروتوكولات بصورة غير مباشرة فى كتابه “مجيء الدجال وحكم الشيطان” 1905
وفى كتابه ـ الجديد ـ ذكر سيرجى نيلوس أن البروتوكولات تم إقرارُها فى المؤتمر العالمى الأول للصهيونية فى بازل ـ سويسرا 29 اغسطس 1897 الذى ترأسه تيودور هرتزل، وانتشر الكتاب بعد ترجمته للإنجليزية الذي قام بها الصحفى البريطانى فكتور مارسدين عام 1921 الذي كان مسجوناً في معتقلات البلاشفة أثناء تغطيته الإعلامية للثورة البلشفية، وهو من أضاف إلى ترجمته مقولات لرئيس المنظمة الصهيونية العالمية حايم وايزمان، وفى ذات السنة قام هنرى فورد فى الولايات المتحدة بدعم طبع نصف مليون نسخة من الكتاب وصرح فورد:”أن البروتوكولات مطابقة لما يجرى فى العالم لحد هذا اليوم”.
وتم إعادة طبع كتاب بروتوكولات حكماء صهيون عدة مرات في الاتحاد السوفيتي وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي
في روسيا حتى عام 1993 عندما أصدرت محكمة في موسكو قراراً باعتبار البروتوكولات عملاً مزوراً وسيكون هناك
غرامة مالية لأية جهة تحاول نشر أفكار بان البروتوكولات حقيقية، لكن في عام 2003 وبمناسبة مرور 100 عام على
صدور البروتوكولات قامت الصحيفة الأسبوعية الروسية “اجرمنتى أى فاكتى” بنشر مقال ورد فيه مقتطفات من
البروتوكولات مع تعليق نصه:”لا يهم إن كانت البروتوكولات حقيقة أم تزوير، ولكنها مطابقة لما يجرى فى أوروبا الآن”.
كما استفاد أدولف هتلر بنشر البروتوكولات والتحدث عنها فى خطبه امعانا فى التعبئة ضد اليهود وذكر فى كتابه
“كفاحى” مقولات مطولة عن البروتوكولات، منها:” إن البروتوكولات تظهر بشكل واضح بأن تاريخ اليهود مُستَنَد إلى حد
كبير على الأكاذيب والتزوير وأن هناك مخاوف حقيقية من نشاطات اليهود وأهدافهم”.
وفى عام 1934 قام الطبيب النمساوى “أيه زاندير” بنشر مقالات تؤكد حقيقة البروتوكولات، وقدم مجموعة من الوثائق
لتأكيد مزاعمه، إلا انه تم رفع دعوى قضائية عليه بتهمة تقديم وثائق مزورة، وبدأت جلسات محاكمته في أكتوبر 1934
ووجدت المحكمة أن البروتوكولات لا وجود لها وأن كتابات زاندير هو تزوير للتاريخ وتم فرض غرامة مالية على زاندير
وفي نفس السنة جرت جلسات محاكمة مشابهة بسبب البروتوكولات وقضت المحكمة في جنوب أفريقيا في عام
1934 على ثلاثة من الصحفيين غرامة مالية قدرُها أربع دولارات ونصف بسبب نشرهم لوثائق مزورة تحاول اثبات وجود
البروتوكولات.
إلا إن المؤرخ الروسي ميخائيل ليبيخين يذكر أن مؤلف البروتوكولات المثيرة للجدل هو: ماثيو جولوفينسكى الذى كان
يعمل كعميل مزدوج للإمبراطورية الروسية والبلاشفة فى آن واحد، والذى انتمى فيما بعد إلى منظمة الأخوة
المقدسة التى كانت معادية للسامية.
أما فى العرب فقد ظهرت النسخة الأولى من الكتاب مع أوائل العشرينيات من القرن الماضى وتحت عنوان “أخطر
كتاب فى العالم” الذى نشرته مجلة روزا ليوسف فى عددها 1211 الصادر فى 2 أغسطس 1951 ما نصه “تمكنت
إحدى الجهات المصرية الرسمية من الحصول على نسخة من كتاب خطير (الخطر اليهودى: بروتوكولات حكماء
صهيون) دفعت ثمنا له مبلغ خمسمائة جنيه.. ولعل هذه النسخة هى الوحيدة فى الشرق، وإحدى ثلاث نسخ
موجودة فى العالم كله.
وهذا الكتاب الخطير يتضمن الأهداف اليهودية العالمية السرية كما قررها زعماؤها، والوسائل التى اتفقوا على اللجوء
إليها فى سبيل تحقيق هذه الأهداف”.
وتلك مقدمة الكاتب محمد حليفة التونسى للكتاب الذى طبعته مكتبة دار الكتاب العربى عام 1951 وكان يباع بـ 15
قرشا، واحتوى الكتاب كلمة منسوبة للدكتور أوسكار ليفى يقول فيها: “نحن اليهود لسنا شيئا إلا مفسدى العالم
ومدمريه ومحركى الفتن فيه، وجلاديه”
وكذلك كلمة من دار النشر للكتاب تقول فيها “أيها القارئ! احرص على هذه النسخة، لأن اليهود كانوا يحاربون هذا
الكتاب كما ظهر فى أى مكان، وبأى لغة، ويضحون بكل الأثمان لجمع نسخه وإحراقها، حتى لا يطلع العالم على
مؤامرتهم الجهنمية التى رسموها هنا ضده، وهى مفضوحة فى هذا الكتاب”. فى النهاية يجب علينا ان ندرك ان
الصهاينة لايتركون امرا الا واستفادوا منه،
وسواء كانت البروتوكولات تتبعهم، أو كتبها غيرهم، فهم قد استفادوا من انكارها فى البداية حتى لا تسبب كراهية
الآخرين لهم، وبعد ذلك غضوا الطرف عن انتماءها لهم من عدمه، لأن الاوضاع كانت تتطلب ذلك، ثم روجوا بشكل غير
مباشر لتبعيتها لهم ليزيدوا من ارهابهم للعالم، ويعظموا من تفوقهم ـ غير الحقيقى ـ على من دونهم أو غيرهم من
الأعراق والجنسيات ومتبعى المعتقدات،
فى النهاية استطاع المصرى مقاتلا كان أو دبلوماسيا، أو رجل اقتصاد، أو مفكرا ان ينتصر على اكاذيب الصهاينة ويفضح
خداعهم ويكشف تضليلهم للعالم، وفى القادم انتصارات متتالية لنا نحن المصريون ان شاء الله، كلما أدركنا أهمية
الإعداد لمعركة الوعى، وحتمية الانتصار فيها.