محمد نبيل محمد يكتب :  الأمن الثقافى والهوية الوطنية

أكذوبة "بروتوكولات حكماء صهيون" ـ 2

الكاتب محمد نبيل محمد

نستكمل اكذوبة “بروتوكولات حكماء صهيون” الأدهى والأمر سبيل هو قيام النخبة من الفنانين بتمثيل هذا الكتاب السرى “البروتوكولات” وكأنه أمر واقع لا محال، وحالنا نحن العرب ليس سوى “مفعول” لهؤلاء “الفَعَلة الحُكماء”.
جميعهم أرهبوا الشعوب من “غول اسطورى” وأقنعوا المتلقيين بالعدول عن المقاومة، والانبطاح والاستسلام لأمر لا محال هو حادث، وقد فعلوا فعلتهم الدعائية ـ بإحترافية ـ عن كتاب ليس له وجود فى الأساس، ولم يكن من عدونا أمام تلك الفرصة الاستثنائية من الكذب، سوى أن يؤكد ما صنعه وردده هؤلاء الحمقى من قادة الفكر وصناعه عن قوة الصهاينة التى لا ولن تقهر.
ولما لا ، وهو “العدو” من أسس كيانه ـ بدايةـ على الكذب والإدعاء والضلال، فما يمنع أن يجارى كذب هؤلاء المثقفون، الفنانون، الدعاة المدعون بحقيقة “البروتوكولات” .

وفى البداية وقبل أن نذهب إلى هؤلاء الذين أرخوا لكتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” من المحتم العلم بأن اليهود أنفسهم وقبيل احتيالهم على أرض فلسطين أى قبل أن يكون لهم دولة أو كيان فصفتهم الغالبة بين الشعوب هى إطلاق “اليهود” عليهم، وهم أنفسهم من رفضوا كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” وانكروا صلتهم به، بل والحق الذى لن يتغير، والموثق فى وثائق محكمة سويسرا وهو أن الرابطة اليهودية بسويسرا قد لجأت إلى القضاء لمنع تداول كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” بل ورفعت دعوى قضائية بإعتبار هذا الكتاب عملا ادبيا هداما ويحظر نشره 26 حزيران 1933 كما جاء هذا فى افتتاحية كتاب”بروتوكولات حكماء صهيون” الذى ألفه الصحفى الانجليزى “فيكتور مادسون” وهو ذاته الذى كتب عن كراسات باللغة الروسية كانت توزع على الضباط والجنود فى الحرب الروسية اليابانية وعندما ذهب مندوبا عن مجلة “المورننج بوست” الانجليزية لتغطية أحداث تلك الحرب وبقى فى روسيا القيصرية حتى نشوب الثورة البلشفية فى 1917 وتزوج من فتاة روسية ولاسباب ما اعتقلته سلطات الثورة فى عهد “كرينسكى” وبقى لسنوات طوال فى سجن روسيا الشيوعية الجديدة “بيتروبول” وعندما افرج عنه عاد لبلاده واستطاع اخفاء إحدى النسخ من الكراسات التى كانت توزع على الضباط فى اثناء الحرب الروسية اليابانية.
وذكر ان مؤلف الكتاب الحقيقى هو البروفوسير ” سرجى نيلوس” وقال عنه :انه من رجال الكنيسة الارثوذكسية، وترجم مادرسون الكتاب الى الانجليزية وقال عنه:” فى اربعة وعشرين فصلا فى خمسة وثمانين صفحة، من الحرف الصغير والقطع المتوسط، ما عدا المقدمة والفهرس” (ص 39 بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة الصحفى فيكتور ماردسن ـ 1919).

والواقعة الثالثة كانت خلال الحرب العالمية الثانية عندما حاصر الانجليز القدس وسيطر الاتراك والالمان على باقى فلسطين والاردن ولبنان وسوريا، وعندما قدم ميجور اورمبسى جور الذى صار فيما بعد وزير مستعمرات بريطانيا العظمى ولورد هارلخ وكان فى مهمة من رئيس الوزراء لويد جورج ومعه وفد يهودى صهيونى يهىء الأرض للوعد السياسى الذى أصدره وزير المستعمرات العام الماضى فى 1917 لكن المفوض “اللنبى” كان ممتعضا من وجود الوفد الصهيونى الذى يأتى وجوده على غير رغبة من الفلسطينيين، وكان من أعوان “اللنبى” الجنرال “ويدز” الذى كان فى قطاع مسئوليته رئيس الوفد الصهيونى “حاييم ويزمان” وهو ايضا رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ثم أظهر الجنرال “ويدز” كراسة تضم النصوص الأولى لكتاب “البروتوكولات” وعرضها على “حاييم وايتزمان” الذى غضب فى البداية منها وتظاهر بقرائتها واعادها للجنرال “ويدز” ونصحه بعدم نشر هذه الكراسات او تداولها.

لكنه عندما سأله عن سبب وجودها معه، قال الجنرال “ويدز” انه تسلمها من الأمير “نيقولا” الذى كان يوزعها على الضباط فى معركة “القفقاس” حيث اعدتها القيصرية لجنودها، وعندما عاد من روسيا كانت الكراسات مع الضباط، لكن “ويزمان” نصحه بأن مثل تلك النصوص ليست فى صالح عملاهم فى فلسطين.

وطبقا لمؤلف كتاب”بروتوكولات حكماء صهيون” الصحفى الانجليزى “فيكتور مادسون” فيقول: ان “ويدز” تحول من الخدمة العسكرية الى المدنية وعينه المندوب السامى هربرت صمويل وكان يهودى صهيونى ليكون نائبا له فى فلسطين كما اختار رونالد ستورس نائبا له على القدس فى 1920

ويشير المؤلف الى أن الواقعة المحتملة الثالثة لظهور الكتاب كانت عقب “ثورة البراق” 1929 بسبب عدوان اليهود على “مربط البراق” وعندها ثار الفلسطينيون على اليهود بسبب اعمال التهويد وطمس الهوية للأرض فى ثورة بدأات فى القدس ثم الخليل وصفد وبيسان، وكانت السيدة فرانس نيوتن تقيم فى حيفا منذ 1895 وهى مرتبطة بحملات التبشير الخاصة بجمعية القديس يوحنا، وكانت علاقتها طيبة مع العرب الفلسطينيين وبسبب منح الانجليز لليهود امتياز استغلال موارد البحر الميت دون اهل الارض الاصليين فقد ارادت ان تخبر اصدقائها العرب بذلك الشأن وبالكتاب السرى لليهود، ولكن اكتشف امرها كلفرسكى وهو اليهودى المتعصب وابلغ رئيس الوكالة اليهودية بفلسطين الكولونيل “كيش” الذى اعلن غضبه الشديد من اعلانها عن الكتاب السرى.

ويذكر مؤلف الكتاب ان تلك المعلومات حصل عليها من مذكرات “ويزمان” ومذكرات “كيش”.

أما المفكر والاجتماعى عبد الوهاب محمد المسيرى (أكتوبر 1938 – 3 يوليو 2008) فقد ذكر فى كتابه “البروتوكولات واليهودية والصهيونية” الذى صدر فى 2003 ان فكرة البروتوكولات هى كذبة كبيرة استغلها الصهاينة ليزيدوا من حجم قوتهم تجاه اعدائهم، ومن خلال ثمان فصول للكتاب يتحدث عن الفكر البروتوكولى التأمرى، فيتنقل داخل فصول الكتاب ما بين كشف المزاعم حول وثيقة البروتوكولات وانها غير حقيقية، ثم ينتقل إلى علاقة اليهودية والبروتوكولات والعنف، ويوضح كيف ان الاستعمار الغربى روج للصهيونية ـ مع التحفظ من جانبى على مفردة الاستعمار ـ ويذهب بنهج علمى إلى اخفاق الخطاب البروتوكولى من جوانبه العلمية والمعرفية ومدى معارضته للحقائق التاريخية، ويذهب فى نهاية كتابه تجاه الانتفاضة الفلسطينية الكبرى التى اثبتت زيف وثائق البروتوكولات، واكدت عدم منعة العدو الاسرائيلى، وضعفه فى مواجهة حجارة أطفال فلسطين، … وفى القادم ان شاء الله نستكمل الحديث عن كتاب “حوار في جهنم بين ميكافيلي ومونتيسكيو” وهو الكتاب الملهم للبروتوكولات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.