الدكتور هيثم الطواجني يكتب : قراءات في المشهد الأوروبي (2)

الدكتور هيثم الطواجني

نستكمل الحديث عن التغييرات السياسية بالقارة الأوروبية في ظل انقلاب الوضع الجيوسياسي منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يبدو عازماً علي إعادة تجميع القدرات، وتركيز الجهود، وتوجيهها نحو الصين بعد تصنفيها كعدو وذات تهديد وجودي، وذلك باتباع سياسات أمريكية جديدة تجاه أوروبا تمكنها من تخفيف تبعاتها، وتقليل مسؤولياتها،

فبعد أن شكلت مع حلفائها من الاوروبيين حلف شمال الأطلسي لمجابهة حلف وارسو قديماً ثم مواجهة وتطويق روسيا حديثاً، وقد نشرت أمريكا عشرات القواعد العسكرية في دول أوروبا، حيث تتمركز القدرات العسكرية الامريكية التقليدية في ثلاث دول، هي ألمانيا وبها 21 قاعدة تشمل كافة أنواع الأسلحة والتخصصات، وبريطانيا التي تستقبل 13 قاعدة أغلبها جوية كما تستقبل قاذفات استراتيجية، وإيطاليا التي تضم عدداً مماثلاً من القواعد أغلبها بحرية،

وهناك قاعدتان بحريتان في إسبانيا وواحدة في البرتغال، وأخرى في جزيرة كريت اليونانية، وبالتالي فقد تصبح أوروبا بدون الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي مكشوفة أمام تهديدات الهيمنة والسيطرة الروسية علي أقل تقدير، أو الغزو الروسي المسلح علي أقصي تخمين، وسط تصاعد تحذيرات استخباراتية متعددة من أن روسيا قد تمتلك الوسائل اللازمة لمهاجمة حليف أوروبي في حلف شمال الأطلسي قبل نهاية العقد الحالي.

– وفى محاولة أوروبية للاعتماد علي النفس وافق قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 خلال قمة استثنائية عُقدت اثناء الشهر الجاري في بروكسل بشأن أوكرانيا علي ما طرحته المفوضية الأوروبية من خطة لزيادة الإنفاق الدفاعي ليصل الي 800 مليار دولار، وسط عدة خيارات من بينها إمكانية قيام الدول الأعضاء بزيادة إنفاقها العسكري، والتأكيد على إمكانية اتاحة 650 مليار يورو على مدى أربع سنوات، مع توفير نحو 150 مليار يورو على شكل قروض للدول الأعضاء لشراء أسلحة، أو للاستثمارات المشتركة، وذلك بالمجالات الأكثر احتياجاً كالدفاع الجوي، والصواريخ، والمسيّرات وأنظمة مكافحة الطائرات المسيرة، وأنظمة المدفعية،

كما تهدف الخطة الي تعزيز الدفاع بتشكيل قوة مهام مشتركة مع أوكرانيا لتنسيق الدعم العسكري لها، وانشاء آلية

مبيعات عسكرية أوروبية بهدف تقوية القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية، والتي تحتاج شركاتها إلى تدفق مستمر

من الطلبات لسنوات متعددة، وذلك لتوجيه الاستثمار، وزيادة الطاقة الإنتاجية، وتحقيق استدامة صناعية دفاعية.

– وفى التقدير أن أوروبا تبدو وكأنها قادرة على بناء الدفاع، وتحقيق التوازن الاستراتيجي، دون الاعتماد على حليفها

في غضون خمس سنوات، فهي قادرة على توفير المال اللازم لتعزيز الدفاع والأمن الأوروبي، ولكن الآلة الصناعية لا

تستطيع إنتاج المعدات المطلوبة بالكميات والسرعة التي تحتاجها الدول الأعضاء، وذلك لاهتمام شركات الصناعات

الدفاعية الأوروبية بتصدير ما تنتجه خارج أوروبا وهو بالطبع أقل مما تحتاجه لتعادل القدرات الروسية،

بالإضافة الي عزوف الدول الاوروبية عن شراء المزيد من منتجاتها، في ظل اعتمادها على الحليف الأمريكي القوي

في الدفاع عن أوروبا، وعلي هذا فليس أمام الأوروبيين سوي محاولة كسب الوقت حتي الانتخابات الأمريكية القادمة،

فربما يأتي رئيس آخر بفكر آخر ليعيد ما سيفككه الرئيس الحالي، أو إعادة توجيه جزء كبير من القدرات المادية التي

سيوفرها الاتحاد الاوروبي إلي حلف شمال الأطلسي لاسترضاء الإدارة الأمريكية التي من الممكن جداً أن تعطي

لروسيا بعض المكاسب في سبيل فك الارتباط الروسي الصيني. (وللحديث بقية)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.