محمد نبيل محمد يكتب : الامن الثقافى والهوية الوطنية
صومًا مقبولًا فى مصر.. وإفطارًا شهيًّا فى فلسطين

قاسم عبد الرحيم صاحب التعبير الأشهر: “أنا بكره إسرائيل”، ابن الشرابية، واختار اسم «شعبان» لميلاده فى شهر شعبان، ربما لم يعرفه ليس الوسط الفنى فحسب، بل الوجدان العام للمصريين والعرب، إلا من خلال أغنيته “أنا بكره إسرائيل”، التى جاءت رد فعل عن الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، وشغلت تلك الأغنية ردود فعل كبيرة إقليميًّا وعالميًّا، حتى اتهمت شبكة “سى إن إن” الإخبارية الأمريكية عبد الرحيم، بالتحريض على مناهضة التطبيع مع إسرائيل، في حين اعتبرها كثيرون على الجانب الآخر تعبيرًا عن نبض الشارع المصرى والعربى، ونقلت وكالة “أسوشيتدبرس” عن كينيث باندلر المتحدث باسم اللجنة اليهودية الأمريكية، قوله إنه: “راعٍ للكراهية”.
ومن عبد الرحيم “الشعبوى” إلى روجيه جارودى فيلسوف المعرفة الفرنسى الكاثوليكى فى الرابعة عشر، ثم معتنق الإسلام فى التاسعة والخمسين من عمره، والمتزوج من الفلسطينية سلمى التاجى الفاروقى، وبعد مجازر صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين فى لبنان، كتب جارودى بيانًا احتل الصفحة الثانية عشرة من عدد 17 حزيران 1982، بجريدة “لوموند الفرنسية” عن “العدوان الإسرائيلى”، وقد وقَّع البيان مع جارودى كل من: الأب ميشيل لولون، والقس إيتان ماتيو، وكان هذا البيان بداية صدام جارودى مع المنظمات الصهيونية التى شنت حملة ضده فى فرنسا والعالم، وكان له رأى بعد صدور كتابه (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل)، رغم عدم نكرانه للمحرقة، إلا أنه فند أن النازية هى نزعة عنصرية استعمارية، لكنها لم تستهدف اليهود وحدهم، وإنما استهدفت شعوبًا وقوميات أخرى، كما أن أحداث المحرقة ضُخمت وأُعطيت أبعادًا أسطورية غير تاريخية، من أجل توظيفها فى صراعات الحاضر، وأن المأساة اليهودية التى تمت بالكامل على المسرح الأوروبى وظفت لحجب حروب الإبادة وجرائم التقتيل والتهجير القسرى، التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وإلى مفكرنا الاستراتيجى الشهيد جمال محمود صالح حمدان، ابن القليوبية، الذى تنبأ فى منتصف الستينيات بتفكك ليس الاتحاد السوفيتى فحسب، بل الكتلة الشرقية (قاطبة)، وهو أكثر من بحث وفند بالدقائق العلمية فى المشروع الصهيونى، الذى يبدأ من فلسطين! وشكك فى أن اليهود الحاليين هم أحفاد بنى إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت فى كتابه (اليهود أنثروبولوجيًّا)، عام 1967، بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين الذين يدّعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمى هؤلاء إلى إمبراطورية “الخزر التترية”، التى قامت بين “بحر قزوين” و”البحر الأسود”، واعتنقت اليهودية فى القرن الثامن الميلادى، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات “آرثر كوستلر” مؤلف كتاب “القبيلة الثالثة عشرة” أو “السبط الثالث عشر”عام 1976 (أحيل القارئ للبحث فى أصول جولدا مائير التى صرحت بها فى كتابها “حياتى”، وكذلك آرئيل شارون الذى نشر عنها فى كتابه “مذكرات آرئيل شارون” وغيرهم كُثر!).
ونعود إلى رمضان الماضى حيث ١٤٤٥ تجاوز الرقم مئة ألف ما بين شهيد إلى جريح، لكن الأصعب على النفس كان فى دلالة نسب وفئات هذا الرقم، وهو أن أكثر من خمسة وسبعين بالمئة منه من الأطفال والسيدات، كما أننا رصدنا –جميعًا- عبر المنصات الإخبارية المتلفزة والعنكبوتية رقم (13) الذى اتصل بعدد الأطفال الذين استشهدوا بسبب نقص أو عدم وجود الأكسجين بالمستشفيات، وبسبب الجفاف لنقص أو عدم وجود الماء(!).
أنا لا أتحدث عن ندرة الغذاء، بل عن الهواء والماء(!)، ونحيل هذا الرقم للأدبيات التى تتحدث عن “نحس” رقم (13) على مَن أوجدوه، وشخصيًّا استشرف منه خيرًا كثيرًا، فهو سيكون إيذانًا ببشائر العدالة الإلهية، التى لا محال قادمة بعدما تخلفت عدالة الإنسانية إلى الوراء آلاف السنوات، وبسبب نقصها أوعدم وجودها، كما الهواء والماء اللذان قتلا أطفال الإنسانية، لا شك سيموت القتلة بسب نقص عدالة البشر أو عدم وجودها، وأعتقد أن البعض يراه بعيدًا، ونحن الكثيرون نراه قريبًا (عدالة السماء) لهذا أنا –شخصيًّا- أقول لفظًا واعتقادًا بما تغنى به (شعبولا)، وأقول لهؤلاء الذين يعلمون معنى الثأر –من الجانب الآخر- أنتم تزيدون من عداوة القادم من الأجيال العربية تجاهكم، وبمنتهى اليسر والسهولة فى حساب الأرقام، إن قتل وإصابة مئة ألف فلسطينى سيورث الثأر لدى امتداد هؤلاء الشهداء والمصابين من الأهل والأقارب والجيران، نحوكم، تخيلوا أن هناك مئة ألف قلب يكرهكم، فضلًا عن أن جميع العرب أبناء نسب وصهر، فسيكون كل أولى القربى يكرهونكم، وفى قلوبهم لكم ثأر ودم من منطلق العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم(!).
وفى رمضان الحالى ١٤٤٦ تضاعف رقم الشهداء والمصابين وتضاعفت القلوب الكارهة للكيان الصهيونى ومن يعاونه تماما كما قال الشهيد جمال حمدان فى كتابه الذى لم ينشر (اليهودية والصهيونية).
لا يتعجب أحد من ادعاء الولايات المتحدة الأمريكية تعاطفها من قتل جيش الدفاع للمدنيين من أهالى شمال غزة فى أثناء توزيع الغذاء (تعاطف لا يتجاوز شفاهة الكلام)، وفى الوقت ذاته يصدر عنها أنها لا تريد وقف إطلاق النار (كلام تجاوز إلى حد فعل القتل)، فهى ذاتها أمريكا، التى قال عنها الشهيد أنور السادات فى خطابه التاريخى يوم 16 أكتوبر 1973 بمجلس النواب، وهو خطاب النصر “… وأقول لكم بصدق وأمانة إننى أفضل احترام العالم ولو بغير عطف، على عطف العالم إذا كان بغير احترام”… وأشار إلى أن دول العالم أجمع احترمت إرادة المصريين الذين كسبوا تأييد دول العالم عدا أمريكا(!).
يحل شهر الانتصار رمضان وفيه العاشر من رمضان، ويرافقه شهر مارس الشهداء، وفيه التاسع من مارس، نُبجل ونُعظم شهداءنا السابقين والقادمين(!)، ونذكّر أن شهر رمضان الذى يهتم الكثيرون فيه بإفطار الصائمين، صوم الفريضة، هناك صائمون، صوم الندرة والفقد، فى فلسطين.
ومصر وحدها قدمت أكثر من مئة ألف شهيد، ومئتى ألف جريح، من أجل القضية الفلسطينية، وإلى جانب المباحثات الأممية عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا بين مصر والعالم من أجل أهلينا فى فلسطين، فمصر وحدها –رغم ظروفنا- قدمت ثمانين بالمئة من المساعدات الغذائية والدوائية، وغيرها من مواد الإيواء والوقود ومستلزمات الإعاشة برًّا وبحرًا وجوًّا، ومقتضى الحال يستوجب أن نكون نحن الأفراد وكيانات المجتمع المدنى مع بلدنا (مصر) فى عطائها (المستحق) لفلسطين، ولنعلن “صومًا مقبولًا فى مصر.. وإفطارًا شهيًّا فى فلسطين”.