محمد يوسف العزيزي يكتب: هل ما زالت المنظمات الدولية قادرة علي البقاء؟!

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

مع تصاعد التحولات الجيوسياسية وانحسار الهيمنة الأحادية يبرز التساؤل حول جدوى استمرار المنظمات الدولية في ظل انسحاب بعض القوى الكبرى منها أو تقليص دعمها لها

الولايات المتحدة على سبيل المثال انسحبت من منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).. وفرضت عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية الأمر الذي يلقي بظلال كثيفة علي جدوى هذه المؤسسات ومبررات استمرارها وهي بلا فاعلية!  لكن هل يعني ذلك أن النظام الدولي فقد مبررات استمراره.. أم أن العالم يتجه نحو إعادة تشكيل آليات العمل المشترك وربما أوجد آليات جديدة في ضوء هذه التحولات الحادة والمتسارعة.

ورغم أن المنظمات الدولية تأسست على مبادئ تحقيق العدالة وتعزيز التعاون بين الدول إلا أن سجلها في حل الأزمات الكبرى يثير تساؤلات حول مدى فاعليتها فالأمم المتحدة على سبيل المثال أصدرت عشرات القرارات التي تدين إسرائيل بسبب انتهاكاتها واحتلالها للأرض الفلسطينية، وعمليات الإبادة والقتل التي تمارسها منذ النكبة الأولي!

ومع ذلك لم يُنفذ فعليًا أي من هذه القرارات في تحد سافر للمنظمة الأممية ما يعكس ضعف القدرة على فرض

القرارات الدولية حين تتعارض مع مصالح القوى الكبرى

وفي مجلس الأمن غالبًا ما يُستخدم “الفيتو” لشل أي تحرك جاد مما يجعله أداة لتعطيل القرارات بدلًا من أن يكون

وسيلة لإنفاذها بحكم قانونه وصلاحياته المخولة له في ميثاق الأمم المتحدة

هذا الواقع جعل كثيرًا من الدول تتعامل مع هذه المنظمات باعتبارها منابر دبلوماسية أكثر من كونها أدوات فاعلة في

تحقيق العدالة!

لذلك يثير انسحاب الولايات المتحدة من بعض المؤسسات الدولية تساؤلات حول مدى التزامها بالدور الذي طالما

روجت له باعتبارها الدولة الكبرى التي ترعى السلام العالمي وتسهم في حل النزاعات الدولية.. هذا التراجع أضعف

مصداقيتها أمام العالم وأصبح ينظر إلى سياساتها على أنها انعزالية وانتهازية تخدم مصالحها الضيقة أكثر من كونها

التزامًا بقيم التعاون الدولي ..

كما أتاح هذا الفراغ فرصة لقوى أخرى مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذها داخل هذه المؤسسات مما قد يؤدي إلى

إعادة تشكيل موازين القوى العالمية وفق أسس جديدة تتجاوز الهيمنة الغربية التقليدية

وفي ظل صعود قوى اقتصادية وسياسية جديدة، مثل الصين وروسيا والهند بدأت تتشكل ملامح نظام عالمي متعدد

الأقطاب حيث لم تعد المؤسسات الدولية التقليدية هي الإطار الوحيد لإدارة العلاقات الدولية.. فالتحالفات الجديدة

مثل مجموعة “بريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون أصبحت تمثل بدائل واقعية يمكن أن تستفيد منها الدول الباحثة

عن مساحة أوسع للمناورة السياسية والاقتصادية بعيدًا عن الضغوط الغربية مما أثار قلق الولايات المتحدة وصدر عن

رئيسها الكثير من التحذيرات المبطنة والصريحة تجاه هذه التحالفات

مثل هذا التحول يفرض على الدول العربية إعادة تقييم مواقعها في المشهد الدولي.. فالبقاء داخل هذه المنظمات

يمنحها فرصة للتأثير على القرارات العالمية لكنه قد لا يكون كافيًا في مواجهة انحياز بعض المؤسسات الدولية لصالح

قوى معينة

لذلك فإن الخيارات المتاحة للدول العربية تتراوح بين السعي لإصلاح هذه المنظمات من الداخل عبر تعزيز التنسيق

بينها واتخاذ مواقف موحدة..  أو التوجه نحو تحالفات جديدة تضمن تحقيق مصالحها بشكل أكثر استقلالية كما أن

الانسحاب من بعض المؤسسات قد يكون خيارًا مطروحًا إذا ثبت أنها لم تعد تحقق أي جدوى، لكن تظل الخطوة الأكثر

واقعية في اعتماد استراتيجية مزدوجة تجمع بين الاستفادة من المؤسسات القائمة والانخراط في تحالفات بديلة

تعكس موازين القوى الجديدة.

الخلاصة أن الوضع العالمي يشهد تحولًا عميقًا لن تكون انعكاساته قاصرة على الدول الكبرى وحدها بل ستمتد

لتشمل الجميع.. ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الدول العربية إعادة صياغة دورها في النظام الدولي بحيث

تتحول من مجرد أطراف مفعول بها إلى قوى فاعلة وقادرة على التأثير وتوجيه السياسات العالمية؟

الإجابة عن هذا السؤال سيحدده شكل علاقاتها بالمؤسسات الدولية في السنوات القادمة ومدى قدرتها على حماية

مصالحها في عالم لم يعد يعترف بالثوابت القديمة، ويعترف فقط بالقوة بكل أشكالها الاقتصادية والسياسية

والعسكرية.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.