الدكتور هيثم الطواجني يكتب : تباين العمل الجماعي بين قمتي لندن والقاهرة

– في يوم الأحد 2 مارس الجاري استضافت لندن قمة استثنائية أوروبية بمشاركة قادة أوروبيين، بالإضافة إلى ممثلين عن كندا وتركيا، وانضمام زيلينسكي إلى القمة، بعد يومين فقط من المواجهة الحادة غير المسبوقة بين الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض ونظيره الأوكراني، وذلك لمناقشة الأمن ودعم أوكرانيا، وأكدت مخرجات القمة علي زيادة التمويل لكييف، والاتفاق علي وضع خطة سلام لأوكرانيا لعرضها علي الولايات المتحدة.
– بينما يوم الثلاثاء 4 مارس استضافت القاهرة قمة عربية غير عادية، حيث أكدت قمة القاهرة في بيانها النهائي على أن تحقيق السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي الذي يلبى جميع حقوق الشعب الفلسطيني وخصوصا حقه في الدولة المستقلة ذات السيادة، ودعت القمة إلى تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية بما فى ذلك الولايات المتحدة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
– وجدت أوروبا نفسها وحيدة في المواجهة الروسية الأوكرانية دون غطاء أمريكي، بعد أن أكتفت بالدعم المادي
واللوجيستي لأوكرانيا معتمدة علي الدعم الامريكي الهائل، وما أن تغيرت قواعد الصراع حتي ظهر عوار الأمن القومي
الأوروبي، الذي دأب علي الاعتماد علي الولايات المتحدة الأمريكية لمدة عقود طويلة، خفضت فيها دول أوروبا انفاقها
العسكري، وميزانيات تسليحها بشكل ملحوظ، ولم يتبق لها سوي العمل الدبلوماسي كمحاولة لإثبات الوجود في
صراع ما إن خسرته حتي أصبحت مكشوفة تماماً أمام الهيمنة الروسية، ولم يعد أمام الاوروبيين سوي استرضاء
الحليف الأمريكي القوي بمحاولة تقريب وجهات النظر بين أمريكا وأوكرانيا، بل وفرض ما يريده الرئيس الأمريكي ترامب،
والمعنون باتفاقية المعادن الأوكرانية الثمينة، وأظنه أكثر من هذه الاتفاقية بكثير.
– بينما اتفقت الدول العربية في القمة على الرفض العربي القاطع والحاسم لمشروعات التهجير بما في ذلك ما
طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحظي بتأييد كامل من جانب الحكومة الإسرائيلية، ونجحت في أن تعلن على
الملأ وقوفها صفاً واحداً في مواجهة كافة محاولات التهجير المرفوضة، ويدعم الموقف العربي في هذا الشأن تمسك
الفلسطينيين بأرضهم على الرغم مما تمارسه اسرائيل من محاولات الإبادة.
– قد يري البعض أن غياب عدد من القادة العرب عن الحضور يضعف القمة وقرارتها، وهذا صحيح ظاهرياً، ولكن صدور
بيان موحد يعنى اتفاق العرب حتى وان غاب بعض القادة، وبالتالي فالموقف العربي
به اجماع وتوافق وتطابق للرؤي، ولكن استغرب من امتنع عن الحضور، وله كل الحق في ذلك، ولكن القمة كانت
فرصة ذهبية لبلورة الرفض العربي.
– ما بين الموقفين أجدني أتسأل لماذا نختلف؟ وهم يتفقون، ولماذا يجتمع الأوروبيون في أقل من يومين، ونحن
نحاول أن نلتقي منذ أكثر من شهرين، أي الدول أقرب إلي بعضهم البعض الدول العربية أم الأوروبية، ومتي يتخلص
بعضنا من صراع الزعامة الذي لا طائل منه سوي تكريس التشرذم والتفكك؟، وإلي متي تتمني بعض الدول العربية أن
تحل محل دول المواجهة، وحين تُدعي إلي العمل الجماعي تتخلف وتتذرع بحجج مختلفة، أكاد أجزم بأن كل من يتابع
الموقف السياسي في العالم العربي يعلم جيداً أن الشراكات الاقتصادية مع الاخرين لن تجدي نفعاً يوم أن تتضارب
المصالح، وأن من كانت تحمل لواء العالم الغربي “الحر” ، وتنادي بالحريات، وتناصر القيم الغربية تتجه اليوم وبقوة نحو
التقارب مع من ناصبته العداء لعقود، وقد تتخلي عن من دافعت عنه سعياً وراء مصالحها، وان الدول العربية رغم كل ما
تمتلكه من قدرات وامكانيات لا أمل لها إلا بالعمل الجماعي، ووحدة الصف، والتخلي عن المصالح الضيقة مقابل
السعي نحو الأهداف المشتركة والغايات المتوافقة.