محمد يوسف العزيزي يكتب : وقف الحرب الروسية الأوكرانية زلزال جيوسياسي يضرب التحالفات الدولية

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

بعد ثلاث سنوات من النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، تلوح في الأفق متغيرات كبرى قد تعيد رسم المشهد السياسي العالمي، لا سيما في ضوء توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى إلى إنهاء الحرب عبر تقليص الدعم الأمريكي لكييف، بل والمطالبة برد المساعدات المالية التي تم تقديمها

هذه التطورات إذا ما تحققت لن تقتصر تداعياتها على طرفي الصراع فحسب بل ستنعكس مباشرةً على طبيعة التحالفات الدولية وموازين القوى بين الشرق والغرب.

أوكرانيا التي اعتمدت بشكل أساسي على الدعم الأمريكي والأوروبي، ستواجه وضعاً صعباً حال انسحاب واشنطن من المشهد حيث سيضعف موقفها التفاوضي مما قد يُجبرها على تقديم تنازلات قاسية سواء فيما يخص الحدود أو النفوذ السياسي داخل أراضيها.

كما أن فقدان المظلة الغربية سيؤدي إلى تراجع ثقة الحلفاء في قدرتها على الصمود ما قد يُفضي إلى فتور العلاقات

مع الدول الأوروبية التي كانت حتى وقت قريب في مقدمة داعميها

أما على الجانب الأوروبي فإن إنهاء الحرب دون تحقيق الأهداف المعلنة سيؤدي إلى انقسامات داخلية بين العواصم

الغربية حول كيفية التعامل مع موسكو وهو ما قد يؤدي إلى تصدع التحالف الأوروبي – الأمريكي حيث أن دول مثل

إنجلترا وألمانيا وفرنسا، التي وضعت ثقلها في دعم أوكرانيا قد تجد نفسها مضطرة لإعادة النظر في استراتيجياتها

الأمنية والاقتصادية في ظل فقدان الضمانات الأمريكية التي كانت تشكل ركيزة أساسية في سياسة الردع الأوروبية.

كما أن أي تقارب محتمل بين بعض الدول الأوروبية وروسيا قد يخلق فجوة بين المصالح الأوروبية والأمريكية وهو ما قد

يؤدي إلى تباينات أعمق داخل حلف الناتو.

في ميزان المصالح الدولية سيكون لموسكو مكاسب واضحة إذ سيعزز إنهاء الحرب موقعها الجيوسياسي ويفتح الباب

أمام إعادة تطبيع العلاقات مع بعض الدول الأوروبية لا سيما فيما يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة والتجارة.

وفي المقابل، ستخسر واشنطن كثيراً من نفوذها في أوروبا الشرقية حيث ستُفسَّر خطوة التراجع عن دعم كييف

على أنها مؤشر على تراجع الالتزام الأمريكي بحلفائه وهو ما قد يدفع دولاً أخرى إلى البحث عن بدائل أمنية خارج

المظلة الأمريكية.

التحولات المحتملة في التحالفات الدولية لن تقف عند حدود أوروبا بل قد تمتد لتشمل علاقة الولايات المتحدة

بحلفائها في آسيا، الذين سيتابعون عن كثب كيف تتعامل واشنطن مع حلفائها في الأزمات.

كما أن الصين التي تراقب المشهد بحذر قد تجد في هذا التغير فرصةً لتعزيز حضورها كقوة دولية بديلة سواء من

خلال علاقاتها مع روسيا أو عبر تعزيز نفوذها الاقتصادي في أوروبا.

في النهاية، يظل المشهد ضبابياً، حيث لا تزال جميع السيناريوهات مفتوحة على احتمالات عدة لكن المؤكد أن أي

تغيير في مسار الحرب الروسية الأوكرانية لن يمر دون أن تتغير موازين القوى التقليدية وتتسع الفجوات بين الحلفاء

مما يفتح الباب أمام عالم متعدد الأقطاب يتشكل وفقاً لمصالح جديدة وقواعد مختلفة.

ويبقي الدرس المهم هو إذا قررت الدخول في حرب عليك أن تدرس جيدا قوة الخصم وقدراته الاقتصادية، وقدراتك في

اتخاذ قرار وقف الحرب أو التفاوض

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.