فى المنتدى الثانى لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية.. بالرباط 

أفريقيا.. "قارة المستقبل" بثرواتها البشرية والطبيعية

رسالة الرباط: مصطفى ياسين

أكد رؤساء وأعضاء برلمانات أفريقيا أن القارة السمراء هي “قارة المستقبل” بثرواتها البشرية والطبيعية، وأن “مفتاح” تقدمنا يكمن في أن يكون مصيرنا بأيدينا.
وصفوا علاقات المملكة المغربية بقارتها الأم، بأنها علاقات وروابط تاريخية ومتجذرة.
جاء ذلك خلال المنتدى الثانى لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية، الذي عقد بمقر البرلمان المغربى، برئاسة راشيد الطالبي العلمى، رئيس مجلس النواب، وحضور السيد Richard Nagbe Koon ، رئيس مجلس النواب لليبيريا، السيد Jabulani Mabuza، رئيس برلمان إسواتيني، السيد Simplice Mathieu Sarandji، رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية إفريقيا الوسطى، ورؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية.
سبب الأمل
قال راشيد الطالبي العلمى: إن التحديات التى تواجه قارتنا وأزماتها هى نفسها المطروحة منذ سنوات، على الرغم مما تحققه على أكثر من صعيد، خاصة فى المجال المؤسساتى والاقتصادى، وهو ما يبعث على الأمل أن النهضة الإفريقية قابلة للتحقق إذا عرفنا كيف نتوحد ونتجاوز عوامل الكبح.
ومن مؤشرات هذا الأمل، إن قارتنا ستحقق معدل نمو يقدر بـ 4.3% عام 2025، مقابل 3.7% خلال سنة 2024، وأن 24 دولة إفريقية سيتجاوز معدل النمو بها 5%. ولكن لا ينبغى للخطوات المحققة على الصعيد الاقتصادى القارى وعلى مستوى البناء المؤسساتى أن تنسينا حجم التحديات الكبرى التى تواجهها قارتنا.
غايتان أساسيتان
تابع الطالبي: ينبغى إعادة التذكير بغايتين أساسيتين تتمثل الأولى فى: توحيد الرؤية إزاء المعضلات التى نواجهها، وتتمثل الثانية: فى بناء وعى تاريخى إفريقى جديد متوجه إلى المستقبل على أساس إدراك صعوبات وإكراهات الحاضر.
وفى مقدمة هذه التحديات، عودة تناسل النزاعات الداخلية أساسًا فى بعض بلدان القارة، إذ بعد نجاح قارتنا فى تجاوز الكُلفة السياسية والاستراتيجية للحرب الباردة، التى لم تكن حربها وإنجاز العديد من الانتقالات السياسية مقرونة ببناء مؤسساتى واعد، عادت النزاعات فى بعض الحالات، لتجثُم على الأوضاع فى بعض البلدان.
وحذر العلمى، من أن قارتنا تصطدم أيضًا فى طموحها إلى الصعود الاقتصادى، بتحدى انعكاسات الاختلالات التى تكلف إفريقيا كثيرا جراء الجفاف، والتصحر، وانجراف التربة أحيانا، والفيضانات فى أحيان أخرى، فى الوقت الذى لم ولا تستفيد من ثمار التصنيع، والتراكم التاريخى الناجم عنه.
وتُنتج هذه الأوضاع تحديات جديدة، ومنها الفقر والنقص فى الغذاء، والتبعية الغذائية والهجرات والنزوح واللجوء والأخطر من ذلك أنها تُنتج حالات إحباط ويأس لا تُسعف فى بناء الثقة، فى المؤسسات الوطنية، والتى تجتهد النخب الإفريقية لترسيخها.
ولا ينبغى للتحديات، مهما كانت أن تترك الإحباط يتسرب إلى الهمم الإفريقية، حيث كانت إفريقيا دائما أرض التحديات، وكان الإنسان الإفريقى الصبور، والمُعاند، ينتهى بربح الرهانات.
حيث انتصر على الاستعمار، واستعادت البلدان الإفريقية استقلالاتها الوطنية، وتيسر لها بناء الدولة الوطنية بقيادة زعماء وطنيين كبار من قبيل الملك محمد الخامس ومعه الحسن الثانى، والرؤساء ليوبول سيدار سنغور، وهوفييت بوانيى، وأحمد سيكوتورى، وكوامى نيكروما، وباتريس لومومبا، وغيرهم من القادة الحكماء.
وبهذه الروح يواصل الجيل الجديد من القادة الأفارقة، ومن النخب الإفريقية المؤمنة والملتزمة بقضايا قارتها وبلدانها، معركة التنمية وترسيخ الديمقراطية.
“قارة المستقبل”
وقال الطالبي: إن قارتنا تتوفر على كافة الإمكانيات والثروات التى تؤهلها لتحقيق انعطافة تاريخية فى التنمية والازدهار والتموقع الاستراتيجى. وفى صدارة الإمكانيات التى تؤهل إفريقيا لتحمل صفة “قارة المستقبل”، عنصر التكامل فى الموارد وبين اقتصادات بلدانها، إلى جانب مواردها البشرية الشابة، وكفاءاتها التى تحقق نجاحات كبرى فى بلاد المهجر، فضلًا عن أراضيها الخصبة القابلة للزراعة التى يمكنها توفير الغذاء لسكان القارة ولجزء كبير من سكان العالم.
إن مواجهة التحديات وربح الرهانات تحتاج إلى تفعيل الإرادة السياسية المشتركة، وتحويل الطموح إلى سياسات ومشاريع ومنجزات.
تمازج القضايا
من جانبه قال ناصر بوريطة، وزير الشئون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج: إن قارة إفريقيا تتميز بتمازج قضاياها السياسية بالأوضاع الاجتماعية والخصوصية، الأمر الذى يحتم علينا اعتماد مقاربات تستند إلى الحوار والوساطة، والعودة إلى الحلول الإفريقية التى تعكس هويتنا وواقعنا.
لكن لتحقيق الاندماج الاقتصادى المنشود، يتعين علينا تجاوز عقبات كبرى، من بينها تطوير البنية التحتية، وتوفير التمويل للمشاريع الإقليمية، وإزالة العراقيل الإدارية التى تحد من التعاون الاقتصادى.
وتابع “بوريطة”: فى هذا الإطار يضطلع البرلمانيون بدور محورى فى مواكبة الحكومات فى تنفيذ الإصلاحات اللازمة وملاءمة التشريعات، ومتابعة الالتزامات المتخذة على المستوى القارى لضمان تنفيذها على أرض الواقع.
أولوية متقدمة
وأكد “بوريطة”، أن التزام المغرب تجاه هذا المنتدى يعكس قناعته الراسخة بأن إفريقيا قادرة على رسم مسارها بنفسها، وأن الحلول لأزماتها يجب أن تنبع من ذاتها.
ومن خلال هذا اللقاء، يؤكد المغرب مجددا استعداده الدائم للعمل جنبا إلى جنب مع أشقائه وإخوانه، من أجل تحقيق السلام والأمن والتنمية المستدامة فى قارتنا العزيزة. فإفريقيا بالنسبة للمغرب كما قال الملك: “أكثر من مجرد انتماء جغرافى، وارتباط تاريخى، هى مشاعر صادقة من المحبة والتقدير، وروابط إنسانية وروحية عميقة، وعلاقات تعاون مثمر، وتضامن ملموس، وامتداد طبيعى وعمق استراتيجى للمغرب”.
وأكد “بوريطة” أن المغرب أرض الهوية والانتماء الجغرافى والثقافى والتاريخى، وما يمس أفريقيا، يمسنا مباشرة فى المغرب، استقرارنا، مرتبط مباشرة باستقرار قارتنا، تنميتنا تعتمد على تنمية أفريقيا.
هذا ما يجعل المغرب منخرطا وملتزما برفع تحديات إفريقيا فى جميع المجالات.
ظرف خاص
من جانبها قالت سلمى بنعزيز، رئيسة لجنة الخارجية والدفاع الوطنى والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب المغربي: إن انعقاد الدورة الثانية لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية يأتي في ظرف خاص وحساس تمر به قارتنا، حيث أصبحنا نشهد تناميا في النزاعات الداخلية والإقليمية، وبروز نزعات انفصالية متمردة، وتفاقم التوترات السياسية في عدة مناطق من قارتنا هذه الأوضاع تؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة إلى تعزيز التنسيق والتشاور بين الدول والبرلمانات الإفريقية، وإيجاد حلول ناجعة لتسوية النزاعات، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مجتمعاتنا وثقافتنا الأصيلة.
إن قارتنا الإفريقية، التي تزخر بتنوعها الثقافي والإثني واللغوي، لطالما عالجت نزاعاتها الداخلية بوسائل وطرق مستمدة من تقاليدها وأعرافها. فمنذ فجر التاريخ، طورت إفريقيا آليات محلية لتسوية الخلافات، ترتكز على قيمها وتراثها المجتمعي ولعبت الوساطة التقليدية دورا محوريا في ترسيخ السلام بإفريقيا، حيث اضطلع شيوخ القبائل والحكماء والقيادات المجتمعية بدور أساسي في الحفاظ على التوازن الاجتماعي وضمان التعايش السلمي.
غير أن الحقبة الاستعمارية أحدثت اضطرابا عميقا في البنية الطبيعية لأفريقيا، من خلال فرض نماذج سياسية واقتصادية بعيدة عن ثقافتنا وتأجيج النزاعات الإثنية بهدف تكريس الهيمنة. هذه التغييرات القسرية على ثقافتنا الإفريقية أفرزت صراعات داخلية دامية، ونزاعات حدودية مسلحة بل وعمليات إبادة جماعية وماسي إنسانية لا تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا.
روابط تاريخية
وأكدت “سلمى بنعزيز” أن المملكة المغربية ترتبط بقارتها الأم بروابط تاريخية ومتجذرة تمتد لقرون، قائمة على التبادل الثقافي والتعاون الاقتصادي والروابط الروحية.
التنمية والاستقرار
وأكدت “سلمى بنعزيز” أنه لا يمكن الحديث عن تعزيز السلم في إفريقيا بمعزل عن الحديث عن قضايا التنمية. فالاستقرار المستدام رهين بتحقيق تنمية شاملة وعادلة.
البيان الختامي
وفي ختام اللقاء أصدر المشاركون بيانا جاء فيه: نحن رئيسات ورؤساء اللجن المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع في البرلمانات الوطنية الإِفريقية الملتئمين في الرباط، عاصمة المملكة المغربية في إطار اجتماعنا الثاني قصد دراسة سبل توحيد جهودنا من أجل قضايا بلداننا وقارتنا ؛
وبعد أن ناقشنا الأوضاع الإفريقية الراهنة في السياق الدولي المتسم باللايقين، وانعكاساته على بلداننا التي تواجه تحديات كبرى من قبيل الإرهاب والنزاعات المسلحة والأزمات، وانعكاسات الاختلالات المناخية على التنمية، والهجرات والنزوح واللجوء ؛ من خلال محوري : i) الوقاية من النزاعات في إفريقيا وii ) التكامل الاقتصادي، سبيل إلى التنمية من أجل السلم في القارة ؛
وإذ نشدد على الأدوار الحاسمة للبرلمانات الوطنية في رفع هذه التحديات والمساهمة في تيسير ربح رهانات بلداننا وتطلعات شعوبنا إلى السلم والأمن والتنمية والتقدم ؛
وإذ نستشعر الحاجة الملحة إلى إحداث انعطاف حاسم في العلاقات الإِفريقية-الإِفريقية، والتوجه إلى أشكال تعاونٍ أوثق، ومبادلات اقتصادية أكثر كثافة، وإلى إنجاز مشاريع قارية وجهوية قطرية، وعابرة للحدود، مهيكلة، بما يشكل روافد لمنطقة التجارة الحرة الافريقية ولباقي التكتلات والمشاريع الإقليمية الناجحة، ويحفز الصعود الافريقي، وطموحات شعوبنا في تحقيق الازدهار المشترك ؛
نؤكد على ما يلي : نثمن مبادرة انعقاد هذا الاجتماع الذي يدشن لمرحلة جديدة من التنسيق والعمل المشترك والتشاور البناء والمنتج بين مؤسساتنا التشريعية.
نؤكد عزمنا على توثيق العلاقات بين لجن الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية، وتنسيق جهودها ومواقفها بشأن القضايا التي تدخل في اختصاصاتها، مع الحرص على احترام سيادة كل دولة، والقرار السيادي لكل برلمان وطني.
نقرر توحيد جهودنا وتنسيق مواقفنا، في المنتديات البرلمانية متعددة الأطراف، الإقليمية والقارية والدولية، في سياق ترافعنا من أجل قضايا قارتنا ؛ إفريقيا ؛ وخاصة من أجل العدالة المناخية لبلداننا، ومن أجل تصحيح التمثلات بشأن الهجرة في بلدان الاستقبال، ومن أجل درء المخاطر والتهديدات المحدقة ببلداننا وخاصة منها الإرهاب، والنزاعات المسلحة، والجرائم المنظمة.
وإذ نعرب عن انشغالنا الكبير بالنزاعات التي تعرفها قارتنا والمآسي الإنسانية المترتبة عنها، فضلا عن كلفتها الاقتصادية والجيوسياسية، وإذ نتابع بقلق كبير ما تعاني منه بعض بلدان القارة جراء الإرهاب الأعمى والتطرف البغيض العنيف، نؤكد تضامننا مع الدول التي تعاني من هذه الظاهرة وندين بشدة كل أشكال الإرهاب والعنف، ونؤكد ضرورة التمسك بالتسوية السلمية للنزاعات والوقاية منها.
وإذ نستشعر الحاجة إلى وعي إفريقي جديد بمخاطر الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية على وحدة الدول الترابية وسيادتها، وإذ نذكر بأن وحدة الدول الترابية وسلامة أراضيها تشكلان حجر الزاوية في العلاقات الدولية والقانون الدولي والنظام الدولي العادل، نؤكد رفضنا القاطع وإدانتنا، لكل مظاهر الانفصال ومدبريه ومنفذيه، ونحذر من أي استسهال أو تماهي مع هذه الظاهرة.
وإذ نؤكد قناعتنا التامة وثقتنا في إمكانيات قارتنا، من حيث الموارد البشرية، الشابة بالتحديد، ومن حيث الموارد الطبيعية المعدنية الاستراتيجية التي تغتني بها الأرض الافريقية، والأراضي الزراعية الخصبة، والموارد البحرية الهائلة، نؤكد تصميمنا على الإسهام في جعل هذه الإمكانيات والخبرات التي تتوفر عليها بلداننا، رافعات للتكامل الاقتصادي الإفريقي وضمان أمننا الغذائي، ولقيام إفريقيا مزدهرة ومتقدمة، يتحقق فيها هدف “إفريقيا قارة المستقبل”، والطموح المشروع المتمثل في تحويل الإمكانيات إلى ثروات، وأدوات للاقتدار الاقتصادي والاستراتيجي، على أساس تثمين التعاون والشراكة جنوب-جنوب، وجعل قيمة “إفريقيا تثق في إفريقيا” واقعا ملموسًا ينعكس على أحوال شعوبنا.
وإذ نستحضر التحديات العديدة التي تواجهها قارتنا، نعتبر استثمار التكامل الاقتصادي بين بلداننا، أداة حاسمة لتحقيق الاستقرار والسلم، وتمكين المواطنات والمواطنين من الخدمات الاجتماعية ومن الشغل الضامن للكرامة، والمحفز على الانتماء إلى المجموعة الوطنية.
نلتزم بالرفع من مستوى التعاون وتبادل الخبرات بيننا في مجال العمل البرلماني بما يقوي قدرات مؤسساتنا وثقة الشعوب فيها، ويعزز البناء المؤسساتي والديمقراطي والمشاركة والاستقرار، وبما يطور تشريعاتنا، ويجعلها متجاوبة مع متطلبات التنمية القُطرية والقارية والتكامل الافريقي المنشود، مع احترام سياقات كل بلد وتقاليده المؤسساتية.
استحضارًا لما سبق، ومن أجل مأسسة تعاوننا وتنسيق جهودنا ومواقفنا والتواصل بين مؤسساتنا، أحدثنا منتدى “رؤساء ورئيسات لجن الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية”، وهو إطار مفتوح لجميع البرلمانات الافريقية في الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
نشكر المملكة المغربية على استضافة هذا الاجتماع الذي يندرج في إطار المبادرات الافريقية الأصيلة، والهادفة إلى الرفع من وثيرة العمل الإفريقي المشترك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.