دون حياء أو ثمة ألم أخلاقى أو مراجعة إنسانية يعترف الكاتب العبرى أنتونى لوينستاين في كتابه “المختبر الفلسطينى” (The Palestine Laboratory) ويكتب :” … طوّرت إسرائيل منذ فترة طويلة تقنيات جديدة للحرب والمراقبة واختبرتها على “رعايا غير راغبين” أى على الشعب الفلسطينى”… ويكتب لوينستاين:”… فلسطين هى ورشة عمل إسرائيلية، حيث يقف على باب دولة محتلة ملايين الخاضعين كعيّنات لاختبار طرائق السيطرة الأكثر دقة ونجاحاً».
لم أجد أفضل من اقتباس فقرة من كتاب “المختبر الفلسطينى” كمقدمة ـ مع التحفظ على مفردة “أفضل” ـ أو ربما أنسب مقدمة للبدء فى الحديث عن ايجاد طرائق أخرى ومغايرة لما اعتدناه فى التعامل نحن المصريين مع الهواتف المحمولة، والقصد المباشر هو أن مقتضى الحال يستوجب صياغة ثقافة جديدة ومبتكرة يتداولها الجميع من المصريين فى التعامل الحذر مع تطبيقات الهواتف المحمولة “الذكية” التى اصبحت فى متناول المصريين ـ جميعنا ـ على اختلاف مستوياتنا التعليمية والاقتصادية والاجتماعية فالكل ـ دون استثناء ـ يتعامل بالتليفون المحمول بل أضحى “الهاتف الذكى المحمول” اصطلاحا يعنى مفهوما اجرائيا مخالف لمعناه المباشر الذى كان يعنى قديما أنه: وسيلة للإتصال بالآخرين فى الحالات الطارئة، طلبا للعون أو ما شابه ذلك، إلى أن تحول شيئا فشيئا إلى كونه وسيلة التواصل المستمر “دون تميز” ليس مع الآخرين من البشر فقط وإنما مع البنوك، والأسواق، والعيادات، ومحطات النقل البرى والبحرى والجوى، ومع البورصة، والمدارس والجامعات، والجمعيات الخيرية، والافتاء، وومصارف الصدقات والزكاة و… بالتالى بات الهاتف الذكى المحمول كصندوق أسود يحمل كل معاملات المصريين وأدق حصوصياتهم، وتفاصيل حياتهم.
هنا السؤال: “وما الضير من ذلك؟”…
والإجابة التلقائية تأتى من نصيحة القائد المنهزم وزير دفاع الكيان الصهيونى الأسبق “موشى ديّان” أنه قال:” إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون” …
بالمناسبة كانت تلك المقولة من موشيه لصحفى هندى هو كارانجيا عندما أجرى حوارا صحفيا معه حول مخططات اسرائيل تجاه العرب، فقال متغطرسا :” إننا سوف نضرب طائرات العرب فى قواعدها قبيل انطلاقها وستكون السماء لنا” وهنا تعجب الصحفى وسأل موشيه مندهشا:” وكيف تكشفون مخططاتكم لاعدائكم العرب؟ الا تخشون من أخذهم الحيطة بعدما تعلنون مخططاتكم؟” وكان ذلك الحديث فى مطلع السينيات، وبعدها نفذ العدو خططه المعلنة فى يونية 1967 …وهنا جاءت جملة موشيه دايان التى لن ينساها المصريون، وتعلموها جيدا بدءا من أكتوبر 1973
ونعود لكتاب “”المختبر الفلسطينى” الذى يكشف حقيقة مريرة تستوجب الملاحقة القضائية والمساءلة الإخلاقية أولا، وثانيا تستوجب منا نحن المصريين فى تغير وتطوير ثقافتنا فى التعامل مع الهواتف الذكية المحمولة، فيكشف الكتاب عن ابتكار العدو الصهيونى المحتل لبرنامج “لافندر” الذى يعد إحدى تطبيقات الذكاء الإصطناعى فى إختيار وتحديد الأهداف العدائية المحتملة من الفلسطينيين، وسابقا ومن خلال التليفون التقليدى قتل العدو الصهيونى الشهيد الشيخ ياسين عقب صلاته للفجر ومن خلال إتصالا على تليفون المحمول إصابه بدقة متناهية صاروخ يرديه شهيدا على كرسيه المتحرك فى 22 مارس 2004 باعتباره أحد مؤسسى حركة حماس وكان عمره 67 عاماً، بمدينة غزة، وكانت تلك السياسة الدامية المعتمدة من قبل العدو الصهيونى، وهى انتقاء القيادات، وقتلهم حتى تعم الفوضى بين خطوط وأنساق الفلسطينيين.
أما الآن فقد حصر أجهزة الاستخبارات الصهيونية بيانات اثنين مليون وثلاثمائة ألف فلسطينى هم مجموع سكان غزة بالكامل، وذلك من خلال عدة طرق أبسطها هى نشر الحواجز بين غزة والضفة التى وصلت على المحاور والطرق الرئيسية إلى ثلاثين حاجزا، فى حين أعلنت الأمم المتحدة عبر منظماتها وهيئاتها العاملة فى الأراضى المحتلة أن العدو الصهيونى وضع أكثر من ستمائة وأربعة وخمسين حاجز بين القرى والحارات والشوارع والطرقات داخل الضفة الغربية فقط، ويتم الكشف عن الهويات وأسباب الانتقال وعدد من الإجابات عن الكثير من الأسئلة الاحصائية التى يتم تحليلها تباعا.
وثانيا من خلال الخدمات المصرفية والخاصة بالمرافق التى تسجل بيانات طالبيها من المواطنين الفلسطينيين.
والأهم والأدق كانت فى البيانات التى يقدمها مستخدموا الهاتف المحمول طواعية عندما يتعاملون مع تطبيقات
الواتساب، والفيسبوك، والماسنجر، والانستجرام وغيرها بل والألعاب الاليكترونية عند الأطفال والشباب، بل وأيضا عند
التعامل مع تطبيقات الأسواق الاليكترونية، فضلا عن الرسائل النصية والصوتية فيما بينهم، كل تلك البيانات تعاملت
معها أجهزة الاستخبارات بدقة متناهية حتى أنها استطاعت تحديد عناصر قيادات حماس للتخلص منهم بالقتل أو
بالاعتقال، لكن ما حدث كان غير ذلك على الإطلاق فبعد الإطار النظرى الذى ظهر فى 2021 بعد نشر كتاب باللغة
الإنجليزية بعنوان “فريق الإنسان والآلة: كيفية خلق تناغم بين الذكاء البشرى والذكاء الاصطناعى لإحداث ثورة فى
عالمنا” وفى هذا الكتاب طرح المؤلف العميد يوسيه سارييل وهو القائد الحالى ـ 2025ـ لوحدة استخبارات النخبة
الإسرائيلية 8200 وهى من الوحدات السرية الاستخباراتية، وكشف الكتاب عن مسألة تصميم آلة خاصة يمكنها
معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة للتوصل لآلاف الأهداف المحتملة للضربات العسكرية أثناء الحرب، ورأى
المؤلف أن مثل هذه التكنولوجيا ستحل ما وصفه بـمعضلة “عنق الزجاجة البشرى” الذى يحول دون تحديد الأهداف
الجديدة واتخاذ القرار للموافقة عليها.
وتعتبر هوية قائد الوحدة 8200 الإسرائيلية سرا يخضع لاجراءات تأمينبة قصوى، وهو يحتل أحد أكثر الأدوار حساسية
في جيش الدفاع، حيث يقود إحدى أقوى وكالات المراقبة في العالم ـ كما يدّعون ! ـ على غرار وكالة الأمن القومى
الأميركية، ورغم العمل فى الظل استطاعت صحيفة الجارديان في تقرير لها أن تكشف كيف ترك قائد تلك الوحدة
الاستخباراتية هويته مكشوفة على الإنترنت وكشفت الجارديان عن اسمه “يوسى سارييل”.
وأكد تقرير صحيفة الجارديان أن سارييل هو المؤلف السرى لكتاب “فريق الآلة البشرية” (The Human Machine