محمد نبيل محمد يكتب : الامن الثقافي والهوية الوطنية

هل رحل جمال حمدان شهيدا ؟ (1ـ 3)

الكاتب محمد نبيل محمد

اقترب الإعلان عن كتابه الذى انكب على اتمامه، وعكف على كشف حقيقة علمية تاريخية وجغرافية عن اليهود والصهيونية، تلك الخلاصة العلمية من كتابه هذا تكشف النقاب عن زييف ادعاءات الصهاينة بأحقيتهم التاريخية فى جغرافيا أرض فلسطين..

لكن النيران اشتعلت فى منزله الذى لم يضم سوى غرفة وحيدة وصالة، وتلك كانت شقته بالدور الأرضى بالعقار رقم 25 الكائن بشارع أمين الرافعى المتفرع من شارع هارون بالدقى يوم 17 أبريل سنة 1993

كانت مسودة مشروع الكتاب تكشف عن حقيقة علمية أخرى وهى: أن اليهود الموجودين حاليًا ليسوا من نسل

اليهود الذين نعرفهم دينيا وتاريخيا وهكذا أيضا يعرفهم العالم!. وتلك حقيقة علمية تستحق الوقوف أمامها كثيرا وطويلا

حتى نستكشف منها حقائق أخرى تالية ومترتبة عليها تهم المواطن العربى وتحقق نصرا فكريا وثقافيا

أولا لقضية فلسطين، وحقيقة عروبتها، وأصل ملكيتنا نحن العرب لها دون غيرنا، وهذا ما يجب أن يدركه ليس فقط

الأجيال العربية القادمة، بل أيضا شعوب الأرض وحكامهم الذين يكفرون بالحق والجغرافيا والتاريخ، وينكرون الإنسان

محور هذه الأرض وصانع أحداث تاريخها…

وهو العربى الفلسطينى صاحب الحق فى أرضه، ويهزى حكام العالم المدعى بالمدنية والمتشدق بالحرية بعقل

خرف يتخبط فى خططا فاشلة، باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، ليقسّم الأرض “سيناء مصر” وهو ومن حوله يغطون

فى جاهليتهم لا يعلمون بعد عن القسم الإلهى بالمفردة السياسية الوحيدة فى الكتب الثلاث المقدسة “مصر” التى

أقسم الله بسينائها، وطورها، وتينها وزيتونها، ونيلها، وثغرها، وأهلها أصحاب الجغرافيا والتاريخ، ولا يدركون أسباب

خيرية جند مصر عن سائر أجناد الأرض، ولا يعلمون شيئا عن مباركة شعب مصر.

ونعود للشهيد جمال حمدان هذا العالم الفذ الذى اصطدم بواقع بيروقراطى مريض، إذ أنه رأى من هم أقل منه علمًا

ودرجة يسبقونه ويتخطونه في الترقية، ولأنه كان رجلاً معتدًا بنفسه، فقد قدم استقالته من العمل الجامعى 1963

ولم يكن قد جاوز سن الخامسة والثلاثين من عمره، وتفرغ للبحث العلمى والإبداع الفكرى، فنذر نفسه وعبقريته

للبحث والدراسة والكتابة عن مصر وشخصيتها على وجه التحديد، فألف خالدته الباقية “موسوعة شخصية مصر

دراسة فى عبقرية المكان” التى عكف يعمل عليها ما يقارب العشر سنوات حتى نهم منها القارىء المصرى والعربى،

وكذلك الحاقد القريب والبعيد(!) منذ صدورها إلى الآن،

وذلك بسبب ما جاء بها من حقائق علمية كانت مجهولة بين صفحات التاريخ، وهذه الموسوعة التى تضم أربعة الاف

صفحة، مدققة علميا، ومدللة بمراجع موثقة،

ففى المجلد الرابع وحده على سبيل المثال، اعتمد على 245 مرجعًا باللغة العربية و791 مرجعًا باللغة الإنجليزية،

هذا غير عشرات المقالات التي استعان بها وأثبتها في هذه الموسوعة.

وكلما ازداد نهمه فى البحث العلمى عن جغرافية وطنه، كلما زاد عشقه لهذا الوطن ـ مصرـ فألف عن “سيناء” التى

عشقها، وخاف عليها إلى حد الهلع من استمرار تركها خالية تعانى الندرة رغم ثرواتها التى لا تحصى، ورغم

قداستها،

وتنامى عشق الشهيد جمال حمدان لسيناء التى باركت هى بدورها عمله البحثى والعلمى عنها، ولا غرابة فى تلك

المقولة، فيعلمها ويؤمن بها من عاش فى سيناء وآمن بها، فأهلها دائما يقولون:”سيناء تحب من يحبها وتجزل له فى

العطاء بسخاء وكرم” وسيناء هنا هى التراب والانسان، وهى القسم الإلهى بالطور والتين والزيتون، وهى القداسة

والتجلى، وهى أرض الشهادة المروية بأطهر دماء السادات من المصريين، وهى وأهلها أول من سدد فاتورة الدم

دفاعا عن بقية مصر”التراب والانسان”، وهى مسرى الأنبياء ومعبر إبراهيم الخليل وزوجته المصرية “هاجر”، ومأوى

الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف الصديق ابن يعقوب ابن اسحاق ومعه اخوته ووالديه، ومن بعدهم كبير أنبياء بنى

اسرائيل موسى الرسول وأخيه هارون النبى، وملجأ كلمة الله: نبى الله عيسى ووالدته البتول، وموقف صلاة رسول

الله صلى الله عليه وسـلم ـ وعليهم جميعا ـ فى رحلة إسراءه من البيت الحرام “مكة المباركة” إلى أولى القبلتين

“المسجد الأقصى” وقبيل عروجه للسماء،

هذه سيناء التى حولت الشهيد جمال حمدان من باحث فى علم الجغرافيا ـ بعشقه لها ـ إلى مفكر استراتيجى،

وعالم، وشهيد خالد، فكتب فيها مؤلفه الأهم بعد شخصية مصر “سيناء فى الإستراتيجية والسياسة والجغرافيا”

حتى إنه أطلق على سيناء “مصر الصغرى”.

فقد استحوذت “سيناء” على فكر الشهيد جمال حمدان، وكان عنوانها هو الأهم فى أبحاثه وكتبه ومقالاته، لعلمه

بمكانتها الخاصة لدى مصر التاريخ والجغرافيا، ولدى المصريين، ولأنها أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، وبوصفها

كذلك وحدة جيوستراتيجية واحدة، لكل جزء منها قيمته الحيوية،

ويقدم لنا الشهيد جمال حمدان فى هذا الكتاب سيناء من جميع جوانبها: الاستراتيجية والسياسية والجغرافية،

ويخلص فى النهاية إلى حتمية تعمير سيناء لتكون نموذجا فى التخطيط القومى والإقليمى، العمرانى والاستراتيجى،

بحيث يكون التحدى الحضارى لسيناء على ذات المستوى من التحدى العسكرى، وصدر كتابه قبيل استشهاده

ببضعة أشهر فى يناير 1993

وظل هذا العالم الفذ والمفكر العبقرى معتكفا داخل شقته المتواضعة وانقطع عن العالم الخارجي تمامًا، فكانت هذه

الشقة هى صومعته التى يترهب بداخلها عشقا فى مصر وسيناء، وانكب يكتب عن اليهود والصهيونية فى كتاب لم

ينشر بل كان سببا فى استشهاده، وهذا ما سنتابعه فى القادم إن شاء الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.