الدكتور هيثم الطواجني يكتب : قراءات في المشهد الاوروبي (1)

الدكتور هيثم الطواجني

تسببت عدة تصريحات لمسئولين أمريكيين بحالة غير مسبوقة من الذعر تجتاح أوروبا حالياً، وربما لم تشهدها القارة العجوز منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في منتصف أربعينيات القرن المنصرم، حيث قال الجنرال كيث كيلوغ مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب إلى كلٍ من أوكرانيا وروسيا في ميونيخ أن الأوروبيين لن يشاركوا في محادثات السلام بشأن أوكرانيا بسبب الجهود الدبلوماسية الفاشلة خلال الموجة الأولى من الصراع في 2015،

بينما صرح  بيت هيغسيث وزير الدفاع الأمريكي بأن الولايات المتحدة لم تعد ضامنة للأمن في أوروبا، في حين أنتقد

جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي أوروبا بسبب قمعها حرية التعبير، وأن ما يقلقه هو التهديد الداخلي بتراجع

أوروبا عن بعض قيمها الأساسية،

والحقيقة أن التصريحات الأمريكية وضعت تصور غير مقبول بالنسبة للحلفاء الأوروبيين فلا يمكن تحقيق التوازن

الاستراتيجي مع روسيا النووية المتفوقة عسكرياً دون استخدام الردع الأمريكي لصد عدوان موسكو،

فبعد أن أسلمت اوروبا أمر الدفاع عن أراضيها إلي أمريكا منذ عقود، وأكتفت بالمشاركة بحلف الناتو، بل وتمادت في

تخفيض الانفاق والتصنيع العسكري لعقودٍ طويلة حتي أصبحت غير قادرة بمفردها علي الدفاع عن أراضيها ضد

روسيا، وتحتاج إلي سنوات لاستعادة قدراتها العسكرية التي أقدرها بعشرين سنة علي الأقل،

فمن الممكن جداً استعواض النقص الحاد في السلاح والمعدات في زمن بسيط وبتكلفة مالية مرتفعة، ولكن يصعب

جداً تعويض القدرات البشرية والخبرات العسكرية التي تأخذ من الزمن الكثير لاكتسابها،

فأوروبا استطاعت أن توفر لشعوبها الحياة الكريمة المزدهرة مقارنة بباقي دول العالم عبر تخصيص أغلب ميزانياتها

لذلك، بينما تُخفض في جُملة ما تنفقه علي القطاع العسكري، حتي أن البحرية البريطانية التي كانت تجوب العالم

علي مدار الساعة تعانى من الترشيد وتقليص النفقات، حيث لا يوجد سوى اثنتين من مدمراتها الست المتقدمة

متاحة للقتال والانتشار الفوري، والان أدركت أوروبا أنها قد تُترك وحيدة في مواجهة من كانت تفرض عليه العقوبات.

اُختتمت المباحثات بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا بالعاصمة السعودية الرياض دون التوصل الي اتفاق واضح،

ونتائج محددة، وهو الأمر المفهوم، ولكن أن تكون تلك المباحثات أو المحادثات كما تطلق عليها وسائل الاعلام الغربية،

وانعقدت بدون حضور أو دعوى أوكرانيا أحد طرفي الصراع، وهو الحدث غير المفهوم، فاجتماع لمناقشة مصير دولة

تخوض صراع مسلح بقلب اوروبا، ولا تدعي اليه يعد واقعة جديدة على المشهد السياسي،

حيث أن الصراع الروسي الاوكراني دخل عامه الثالث وسط معضلة سياسية تجبر الدولتين علي قبول الواقع

السياسي بين ما يتعين على كييف أن تقدمه من تنازلات إقليمية، وما تقبله موسكو من ضمانات أمنية.

– وبتحليل الموقفين تبرز أهمية القدرة على اتخاذ القرار السياسي المستقل غير الخاضع لإملاءات أو شروط، وأنه لا

معاهدات ولا أحلاف قد تدوم، وأن العمل والإنتاج والايمان بقدراتك هو أفضل داعم، وان للإرادة المستقلة، وللحرية غير

المشروطة، وللسيادة غير المنقوصة ثمن لابد للدول من أن تؤديه، ولا يجوز أن تستبدله باتفاقيات تركن اليها بغير قوة

اقتصادية وعسكرية تمتلكها لتحميها وتعضد موقفها في ظل عالم براجماتي لا يعي سوي لغة المصالح (وللحديث

بقية).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.