محمد يوسف العزيزي يكتب : هل تملك القمة العربية أوراق ضغط قادرة على تغيير المعادلة؟

مع التعقيدات المتزايدة التي تحيط بأزمة قطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام جاءت الدعوة لعقد القمة العربية الطارئة كمحاولة لإعادة ترتيب الأوراق العربية في مواجهة المستجدات الدولية والإقليمية.. غير أن تأجيل انعقادها حتى الرابع من مارس المقبل – حسب تصريح أمين عام مساعد الجامعة العربية – ونقل مكانها من الرياض إلى القاهرة يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة الضغوط التي أدت إلى هذا التغيير، وما إذا كانت هناك معطيات جديدة فرضت نفسها على الأجندة العربية !
من المؤكد هناك ارتباط غير مباشر بين تأجيل القمة العربية الطارئة ، والقمة الروسية الأمريكية في الرياض حتى وإن لم يكن ذلك السبب المعلن رسميًا .. فمن الناحية الدبلوماسية فإن تأجيل القمة العربية قد يكون مرتبطًا بالرغبة في معرفة مخرجات القمة الروسية الأمريكية خاصة أن هذه القمة تأتي في توقيت حساس يشهد تصاعدًا في التوترات الدولية والإقليمية ما يجعل أي تفاهمات بين موسكو وواشنطن ذات تأثير مباشر على قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها الحرب على غزة.
حيث من المتوقع أن تناقش القمة الروسية الأمريكية بجانب الحرب الروسية -الأوكرانية عدة ملفات ذات صلة مثل مستقبل النفوذ الروسي في المنطقة.. التوازنات الجيوسياسية المتعلقة بأوكرانيا والعلاقات مع دول الخليج وفي هذا الإطار فإن أي تفاهمات قد تُبرم بين الطرفين حول ملفات الشرق الأوسط قد تنعكس على الموقف العربي خاصة إذا تضمنت مقاربات جديدة للملف الفلسطيني أو ترتيبات أمنية تخص غزة !
أما على مستوى التحالفات الإقليمية فإن أي تقارب بين موسكو وواشنطن قد يعيد رسم مواقف بعض الدول العربية تجاه الصراع في غزة خصوصًا إذا تم الاتفاق على رؤية جديدة لتسوية النزاع، وبالتالي فإن تأجيل القمة العربية قد يكون محاولة لمنح صناع القرار فرصة لاستيعاب نتائج القمة الروسية الأمريكية قبل اتخاذ مواقف نهائية خصوصًا إذا كان هناك احتمال لتغيير الحسابات الإقليمية بناءً على التفاهمات التي ستخرج بها الرياض.
ويبقى السؤال المهم: هل تملك القمة العربية أوراق ضغط قادرة على تغيير المعادلة؟ ويليه مباشرة السؤال الأهم :
هو مدى قدرة الدول العربية على ترجمة قرارات القمة إلى أدوات ضغط فعلية قادرة على التأثير في مجريات الأحداث
وتغيير المعادلة القائمة ..
فبين التصعيد الإسرائيلي المستمر والدعم الأمريكي غير المشروط تبدو الخيارات العربية معقدة لكنها ليست مستحيلة إذا ما توافرت الإرادة السياسية والتنسيق الفعلي
الواقع يشير إلى أن هناك أدوات سياسية ودبلوماسية يمكن توظيفها بفاعلية شريطة أن يكون هناك توافق عربي حقيقي حول آليات استخدامها.
من أبرز هذه الأدوات التحركات الدبلوماسية الموحدة حيث تستطيع الدول العربية الضغط على الإدارة الأمريكية من
خلال استثمار حالة الرفض الدولي المتزايدة للسياسات الإسرائيلية،
في السياق ذاته يمثل إعادة تقييم مسار العلاقات الإقليمية ورقة ضغط مؤثرة، خاصة فيما يتعلق باتفاقيات “أبراهام ”
التي وقّعتها بعض الدول الخليجية مع إسرائيل. وبينما كان الهدف المعلن لهذه الاتفاقيات تحقيق السلام والاستقرار،
فإن استمرار الاحتلال في سياساته الاستيطانية والعسكرية يدفع نحو إعادة النظر في هذه العلاقات بحيث يتم ربط
أي تطبيع جديد أو تعاون اقتصادي بمواقف إسرائيل من قرارات الشرعية الدولية. فإذا تبنّت القمة موقفًا مشتركًا
يشترط التزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها مقابل استمرار التعاون، فقد يشكل ذلك ضغطًا حقيقيًا على صناع القرار في
تل أبيب.
أما فيما يخص ملف إعمار غزة، فإن المبادرة المصرية العربية تمثل ركيزة مهمة يمكن للقمة أن تبني عليها خاصة أن
نجاحها يتطلب ضمانات عربية ودولية تحول دون استخدام إسرائيل لهذه العملية كأداة للابتزاز السياسي.
ومن هنا، فإن التأكيد على الإشراف العربي المباشر على عمليات إعادة الإعمار مع إشراك مؤسسات دولية لضمان
تدفق الموارد دون قيود إسرائيلية يعد عنصرًا أساسيًا لضمان استدامة هذا المشروع
كما تمتلك القمة فرصة لتعزيز زخم الرفض الدولي لمخططات التهجير القسري التي طرحت مؤخرًا وتحويله إلى موقف
موحد يمنع فرض أي حلول قسرية على سكان غزة.. وألا تقتصر التحركات العربية على بيانات الإدانة .. بل ينبغي أن
تتجه نحو قرارات عملية مثل دعم المساعي القانونية في المحاكم الدولية ، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لحشد تأييد
واسع لمبادرات تضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
إذا استطاعت القمة الخروج بموقف عربي موحد يترجم هذه الأدوات إلى خطوات فعلية، فإنها ستكون قد وضعت
أساسًا جديدًا لمعادلة أكثر توازنًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، وأكدت أن الإرادة العربية لا تزال قادرة على
فرض نفسها في المشهد السياسي الدولي.