محمد نبيل محمد يكتب : الأمن الثقافى والهوية الوطنية ..ريا وسكينة والاحتلال البريطانى

الكاتب محمد نبيل محمد
بعد اعتذار وتنحى كامل بك عزيز وكيل النائب العام في الإسكندرية عن قضية ريا وسكينة بعد أن ظل 12 يومًا يحقق دون جدوى ولم يصل إلى أي دليل إدانة دامغ ضد ريا وسكينة، كلفت سلطة الاحتلال كلف النائب العام سليمان بك عزيز وكيل النيابة العمومية ورئيس نيابة القاهرة لإستكمال التحقيقات وبعد ثلاثة أيام من وصوله انتهى لاتهام ريا وسكينة بقتل وسرقة السيدات.
ورغم تضارب الاعترافات وتعارضها، ورغم الاعلان عن قتل (24) سيدة ولم يتم الافصاح سوى عن (17) منهن فقط، ورغم وصف جميعهن بالبغايا، واتهامهما بتنفيذ القتل والسرقة من خلال ادارة بيوت سرية للاعمال المنافية للاداب، الا ان بيوت وملاهى الهوى كانت مرخصة ومعلنة فى ذاك الزمن بناء على رغبات الاحتلال، وتم فرض هذا السلوك الشاذ على المجتمع المصرى، فما الداعى من قيام المتهمتان باعمالهما المنافية للاداب سرا.
ورغم أن حالة الاعدام الوحيدة لأمرأة كانت فى سنة 1883.. مع بداية إنشاء المحاكم الأهلية، إلا ان الاحتلال اصر على تنفيذ الاعدام فى هاتين السيدتين حتى يكونا عبرة لمن تحاول الوقوف ضد الاحتلال.
ويبدو ان الفريد ملنر (1854–1925) وزير المستعمرات البريطانية فى توقيت واقعة رايا وسكينة (1919 ـ 1921) كان يهوى تشوية سمعة المناضلين اتباعا للسياسة العامةا للاحتلال فى تشويه الحقائق وتعمية الرأى العام وتغييب الوعى الجمعى لدى الشعوب المحتلة والمستنزفة وكذلك فعل سابقه والتر لونج (1854–1924) مع الزعيم سعد زغلول، ومن قبلهما الأسبق الفريد ليتلتون (1857–1913) الذى اتهم الزعيم مصطفى كامل، ومن بعدهم ونستون ترشل (1874–1965).
ولا ينكر أحد أن الاحتلال أيا كان اسمه بريطانى، فرنسى، صهيونى فجميعهم يمارسون ذات السلوك الدعائى العدائى تجاه النماذج البطلة لدى الشعوب المحتلة، فتصمف حكومات دول الاحتلال جميع المقاومين من الوطنيين بأنهم ارهابيون، وتلاحقهم بالصفات الاجرامية، كما لا تتحرج فى توجيه الادانات العلنية لهؤلاء الفدائيين الوطنيين، كما كان يفعل الصهاينة ضد أهالينا الأبطال فى سيناء فى الفترة ما بين يونيه 67 وقبيل أكتوبر 73، وكذلك فعل الانجليز ضد نيلسون مانديلا وسجنوه بتهمة مقاومة سلطة الاحتلال وألقي القبض عليه مراراً وتكراراً لأنشطة مثيرة للفتنة، وحوكم بالخيانة 1956-1961 ثم أُلقي القبض عليه بتهمة الاعتداء على أهداف حكومية، وفي عام 1962 أُدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكمت عليه محكمة ريفونيا بالسجن مدى الحياة، ومكث مانديلا 27 عاماً في السجن.
كذلك فعل الانجليز فى الهندوستان وتم سجن الماهاتما غندى، ، وقام أرشيبالد ويفل نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند
بسجن غاندى واتهمه بتبنى مؤامرة للإطاحة بالحُكم والنفوذ البريطانيّ وإنشاء هندو راج، ووصفه بأنَّه سياسي
خبيث، وحقود، وذكي للغاية… ونعود لفرضية فدائية ريا وسكينة، ومن خلال مشهد النهاية فى فيلم “حرب كرموز”
عندما أعلن قائد الشرطة المصرية :”حكمت المحكمة العسكرية على المتهم يوسف امين المصرى بالاعدام رميا
بالرصاص وذلك بتهمة القتل العمد والتمرد على الاوامر العسكرية فى وقت الحرب وتعريض حياة المدنيين للخطر”…
وهنا تقدم قائد الشرطة وهمس للبطل المصرى الذى قتل عدد من جنود وضباط الاحتلال البريطانى وقال له:”انت
مذنب يا يوسف ” فرد يوسف مستسلما لقدره ومؤمنا بقتله للانجليز:” ايوة ، مذنب” فقاطعه قائد الشرطة المصرية،
وبايمان لا يقل عن قناعة يوسف بقتله للانجليز:” لا مش مذنب يا يوسف، انت ما قتلتش غير دفاع عن النفس، وما
تمردتش على الاوامر العسكرية انت اتمردت على ناس ما لهمش انهم يدوك اوامر، وما عرضتش حياة المدنيين
للخطر، انت دافعت عنهم وعن شرفهم” واعطاه من الشرطة المصرية شهادة وفاة وهمية له وشهادة ميلاد باسم
“جمال الرفاعى” وعندما سأله عن ما ذا ستقول الشرطة المصرية للانجليز، فقال بعزة ممزوجة بالدهاء:” دية
مشكلتك والا مشكلتنا ؟! احنا ح نسلمهم جثة الضابط مارك بتاعهم على انها جثتك وده طبعا بعد ما نحرقها” ثم
انتهى المشهد بتحية الشرطة المصرية للمتهم بقتل جنود وضباط الاحتلال البريطانى(!).
تلك هى الشرطة المصرية التى قاومت الاحتلال البريطانى فى يناير 1952 واشعلت شرارة ثورة أكملها الجيش فى
يوليو، وتبعهما الشعب فى الجمهورية الاولى لتاريخ مصر الحديث ليحكم مصر المصريون بعد غياب منذ نهاية عصر
الاسرات طال الالف عام (!).
واستكمالا لمشهد النهاية لفيلم “حرب كرموز” قال قائد الشرطة للبطل قاتل الانجليز:” انت كنت منتظر نعملك تمثال
او ترقية استثنائية” وكان رده ” لا طبعا” … ومن المؤكد ان الشرطة المصرية كانت تخفى وتتستر على أعمال
الفدائيين والمناضلين ضد الاحتلال البريطانى بهدف حمايتهم وأيضا بهدف استمرارية حركة النضال ضد الانجليز، فلماذا
نتوقع تكريما لريا وسكينة إذا صدقت فرضية الفدائية والبطولة لديهما ضد الاحتلال البريطانى(!).
وفى القادم ان شاء الله سنكشف النقاب عن قضية أخرى:” هل رحل المفكر جمال حمدان شهيدًا؟”.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.