الأمل والحلم هما من دعائم التطور والارتقاء نحو الحياة الكريمة والمنشودة, وهما ولا شك من عناصر القوة الواجب توافرها من أجل تحقق إرادة المصريين فى مصر الجديدة, فلم يكتب للإنسان أن يسبر أغوار الفضاء ويسبح بين طبقات السماء إلا وكان الحلم هو المحرك الأول,
وهكذا كان ذات الحلم هو المحرك وراء غوص ذاك الإنسان لاكتشاف أسرار أعماق البحار والمحيطات, والتعرف على ما يجاوره من كائنات تتشارك معه هذه الحياة, وعبر سفر الإنسان فى مجال كونه للتعرف عليه وتطويعه لصالح بقائه؛ كانت تتحقق أحلام هذا الإنسان، وبإرادته كان يصنع من خيال الحلم وخواطر الأمل حقيقة وواقع يعيشهما, هل كان يعلم هذا الشاعر وعالم الفلك والرياضيات عباس بن فرناس بن ورداس التاكرنى,
ومن بعده بعدة مئات من السنوات أوريفل وأخوه وبلير رايت أنهم سيحققون أحلام شعراء بادية العرب أو آلهة أوليمبيا فى التحليق فى الفضاء؟, بل وجاوز الأمر إلى كون المرأة بجوار الرجل تحقق الحلم؛ فكانت إميليا مارى إيرهارت أول امرأة تطير بمفردها عابرة للأطلنطى,
وعندما نُشرت رواية “عشرون ألف فرسخ تحت سطح الماء” لجون فيرن بالفرنسية، التى تناولت غرق السفن فى عرض البحار واختفاءها دون أسباب علمية، ولم يكن الوحش البحرى الأسطورى هو السبب وراء تلك الحوادث، إنما هى الغواصة النوتيلوس التى تأخذنا فى اكتشاف أعماق المحيطات وعجائبها,
وهكذا كان الأدب شعرًا ونثرًا ملهمًا لهؤلاء الذين أرادوا تحقق الحلم وانتقاله من الخيال إلى الواقع، وهؤلاء أيضًا هم مَن صنعوا الأمل واقتربوا من أزمانه البعيدة حتى يكون ملك أيدينا, ونتحدث -إن أردنا- كثيرًا عن العجب فى الاتصال بين اثنين؛ أحدهما من مشرق الأرض، والثانى فى مغربها، حتى يأتينا ألكسندر إبراهام بيل ويخترع التليفون الذى تطور عبر ثورات المعلومات لأجيال ذكية من الهواتف، قد تهدم أمم وتزيل شعوبًا من على وجه الأرض دون حاجة لانشطارات نووية سعى لها والد القنبلة النووية روبرت أوبنهايمر المدير العلمى لمشروع مانهاتن لتصنيع السلاح النووى الذى أزال فقط مدينتين هما هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين، خلال الحرب العالمية الثانية والأخيرة كلاسيكيًّا!,
أما الآن تصنع المعلومات الملونة والحقائق المغلوطة الأعاجيب بوجدان البشرية من دمار لا يضاهيه أثر الانفجار النووى, وتعد الدعاية السوداء هى السلاح الأكثر فتكًا بالإنسان, وربما كان أول مَن انتبه لأثرها هو الدامى هتلر؛ إذ عين لها وزيرًا مسؤولًا عنها فى حكومة حربه ضد العالم، وكان الوزير جوبلز مثلًا فاضحًا لما تفعله الأكاذيب فى الجيوش الصناديد، حتى انهزمت جيوش إنجلترا وفرنسا ومن ورائهما بالأكاذيب, فحسب بالأكاذيب!,
إلى أن انتبه العالم لأهمية الأكاذيب وأثر الخدع والحيل فى هزيمة الشعوب، فنظر جوزيف ناى فى كتابه “القوة
الناعمة” والكثير من بعده ممن كتبوا ونظروا, ومن قبله كان هربرت تشيلر فى كتابيه “المتلاعبون بالعقول” و”الهيمنة
الثقافية”, وجميعهم سعوا إلى قتل الإنسان عقلًا وروحًا من خلال كذب الادعاء وتلوين الحقائق,
وهذا ما تعرضت له مصر منذ عقد من الزمان أو يزيد، عندما تعالت أصوات كونداليزا رايس بالشرق الأوسط الجديد،
وتناولت وسائل الإعلام العابرة للقارت مقولة “الفوضى الخلاقة” لتروج لانهيار المبادئ التى تصون وحدة المصريين,
وتقوض الدعائم التى يرتكز عليها الوجود المصرى, فسرت كالنار فى الهشيم أكاذيب الفرقة بين المصريين، وحاولت أن
تطول روح التسامح وسلوكيات التعايش، وكفّرت قبول الآخر, ودسَّت سموم الاغتراب والتجزؤ والتباعد والفرقة بين
المصريين, وحاولت هدم النموذج والنيل من القامات بأنواعها الاجتماعية والدينية والعلمية والسياسية و…, وقلَّلت
وسطَّحت وهمَّشت من كل منجز من شأنه أن ينقل المصريين خطوة للأمام, والأهم هو محاولات طمس الهوية
الوطنية ليفقد الجميع معنى الوطن,
لكن كانت إرادة المصريين وحلمهم فى الوحدة والاصطفاف من جديد حلمًا تجاوز الخاطر إلى واقع الحياة, وكان الأمل
فى مستقبل جديد يجمع هؤلاء المصريين تحت لواء مصر الجديدة, فكانت لقاءات رئيس مصر بشبابها عنوان المرحلة
القادمة وتوجه الدولة المعلن بأن الشباب هم سر التقدم برعاية جيل الآباء وخبرتهم، ليكون التطور والتغيير نحو مصر
الجديدة مخططًا علميًّا ومحققًا عمليًّا,
وبعض من كثير من الخطى على هذا الدرب تجلى عندما رأيت “ملتقى أهل مصر”، الذى ترعاه وزارة الثقافة بإيمان
راسخ بهؤلاء الفئة من أطفال وشباب محافظات الوادى الجديد وأسوان ومرسى مطروح وشمال وجنوب سيناء، وهم
يجوبون ربوع مصر ويصنعون الأمل فى الوحدة، ويحققون الحلم فى مصر الجديدة التى تعى تمام الوعى أهمية
الأطراف كما أهمية القلب, من جديد تجتمع ثقافات الوطن المتنوعة لتزيده ثراءً وتصقل درع الوعى وتحصن فكر هؤلاء
الأطفال والشباب، حتى يضحى الأمل والحلم فى مصر الجديدة حقيقة وواقع,
وعلينا أن نختار ما بين أن نكون مع هؤلاء الذين يبنون الأمل أو مع هؤلاء الذين يهدمونه, وليحافظ كل منا على الأمل،
ويصنع من حلمه حقيقة بالإرادة والوعى؛ لأنهما ولا شك من عناصر القوة المرجوة فى هذه المرحلة,
وما زال القلم يردد: “صغارنا أبطال يصنعون لنا المستقبل, والله مولانا ولا مولى لكم”. وفى القادم إن شاء الله أحاديث