محمد نبيل محمد يكتب : الأمن الثقافى والهوية الوطنية .. ثقافة الواقع الافتراضى و”صدمة المستقبل”

الكاتب محمد نبيل محمد

تطبيقات الواقع الافتراضى هى فى الأساس من ثمار ثورة المعلومات التى تحدث عنها فى ستينيات القرن الماضى عالم المستقبليات “الفين توفلر 1928-2016” وهو من صنفته صحيفة “الشعب” اليومية الصينية من بين الخمسين من غير الصينيين الذين ساهموا في صياغة الصين الحديثة، فكتبت عنه: “على مر تاريخ الصين الطويل، فإن العصر الذى بدأ من عام 1840 تميز بأكبر وأسرع وأشرس وأعقد تغيير فى تاريخ الصين، وقد كان هناك الكثير من الأجانب الذين كان يمكن أن يؤثروا فى تلك الفترة بالذات، لكن بشكل عام فهناك خمسون منهم بلا شك قد قدموا أفضل وأكبر تأثير برهن على الميزات التاريخية التي تصادمت بها الصين مع العالم”، وكذلك قالت عنه “فاينانشال تايمز” الصحيفة البريطانية الأشهر، بأنه:” أشهر عالم دراسات مستقبل فى العالم”…
ومن أشهر مؤلفات توفلر كانت “صدمة المستقبل” التى وزعت لأكثر من ستة ملايين نسخة، وظل هذا العنوان على مدار عام صدوره هو الأكثر مبيعا والأوسع انتشارا لا فى أمريكا ـ بلد صدوره ـ بل فى العالم كله، حيث تمت ترجمته إلى عشرين لغة ما بين الرئيسية وغيرها، … وتناول أثر صدمة المجتمع الانسانى من نتاج ثورة المعلومات، وتساءل :” … يحتاج المجتمع إلى أفراد يهتمون ويعتنون بالمسنين، وإلى افراد يكونون رحماء فيما بينهم، وصادقين مع بعضهم،… يحتاج المجتمع إلى كل أنواع المهارات والمعارف التى لا تكتفى بكونها مهارات فنية لا غير، بل أن يكون حاملوا هذه المهارات والفنيات يتمتعون بعواطف ووجدان لا تستطيع إعمال المجتمع بالأوراق والكمبيوتر وحدهما”.
كما تحدث توفلر عن أمية القرن الواحد والعشرين في كتابه الثانى “إعادة تفكير فى المستقبل” فهو يتناول فكرة ذائعة الصيت بيننا ـ بين البشر جميعا ـ وهى:”الأميون في القرن الواحد والعشرين ليسوا من لا يقرؤون ولا يكتبون” وهذه بالنسبة للقارىء المتلقى بديهية، ليس فقط لانتشارها عبر ترديد النخبة المثقفة لهذه الفكرة بذات الصياغة (!) من خلال وسائل الاعلام، لكن أيضا لتجمل مسؤلى التعليم عندما يتشدقون بها، وكأنهم أزاحوا هم مسؤلية التعليم الكلاسيكى عن عاتقهم إلى غيرهم اللاموجود سوى فى الواقع الإفتراضى(!)، … ويحدد توفلر “الأميين وليس الأمية” فى كتابه “إعادة تفكير في المستقبل” ويعلن :” … لكن أميى القرن الجديد هم الذين ليست عندهم قابلية تعلم الشىء، ثم مسح ما تعلموه، ثم تعلمه مرة أخرى”.
الحق والقصد هنا أننا لسنا ضد “الرقمنة” بمعناها ومبناها فتلك المفردة باتت دالة على العصرنة وربما مابعد الحداثة، فتملكت من سطوة القوة ما يجعل الجمهور على اختلاف مستويات القوة والقدرة لديه يتقبلها بإذعان مطلق، بل إن من يهاجم ـ وهم ندرة وقلة ـ يغلف فعل هجومه باستحياء وبسلوك متردد، وربما لا ينتهى حديثه بكلام منطقى حقيقى، إنما فى الغالب يترك النهايات للمتلقى حتى لا يتهم بالرجعية والبدائية والتخلف.
إنما الحديث عن كيفية “الاستفادة بما يتناسب” … بمعنى: أنه لا طائل ولا جدوى حقيقية من تقليد الآخرين فى أمور لا تقدم فائدة حقيقية لمجتمعنا، فالعيب ليس فى رقمنة الإعمال بل فى رقمنة الأحوال، فلا يجوز طبقا لعاداتنا وتقاليدنا ان نكتفى بمواساة الأهل أو الجيران أوالأصدقاء فى حادث مؤسف لديهم كالوفاة أو المرض أو … بالاكتفاء بتعليق أو تعاطف أو اعجاب على منشور لهؤلاء على صفاحات تواصلهم الاجتماعى، فهنا تحول الفعل الرقمى بصاحبة إلى حالة رقمية افتراضية لا وجود حقيقى لصاحبها، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
ولا نغالى إذ ضربنا المثل داخل الأسرة الواحدة فصار من الطبيعى أن تدخل بيتا تجد الأب والأم والأبناء كلهم منكفئون على شاشة التليفون يتراسلون ويتواصلون مع غيرهم، وربما مع بعضهم البعض، لكن ليس داخل جدران المنزل الحقيقى إنما داخل واقع افتراضى لا وجود له.
نحن جميعا تعلمنا التعامل مع وسائل التواصل الإجتماعى، وبالتالى إنمحت لدينا “الأمية التكنولوجية” فى المدن والقرى والبدو والسواحل، بل وعلى اختلاف مستوياتنا التعليمية ، وأيضا مع تنوع مستوياتنا الاقتصادية، ولا أبالغ عندما أعكس صورة رآها الجميع فى انسان يمد يد الحاجة إلى طعام وملبس ومأوى على ناصية الشارع وفى يده الأخرى تليفونه المحمول (!)… وجميعنا أدركنا ايجابيات وسلبيات التعامل مع المتاح لدينا من ثمار عصر الرقمنة، فلماذا لازلنا نتمسك باتباع ما يهدم ولا يبنى، ولماذا لا نمتلك قابلية إلغاء ما تعلمناه وأدركنا مساوئه، لنتعلم كيف نتعامل معه من جديد وبسلوك مغاير يحقق النفع والصالح؟.
السؤال البديهى هنا:” هل فى هذا التقليد استفادة حقيقية لمجتمعنا؟ وهل تتناسب تلك السلوكيات الافتراضية مع أنماط عاداتنا وتقاليدنا التى تحكمهما الدين والاخلاق والمبادىء والقيم التى تميزنا بل وتفردنا بهم عن غيرنا من الأمم؟”.
واذا كانت الإجابة النابعة من اخلاقنا وقيمنا ومبادئنا هى: “لا” فماذا يجب على كل منا فعله تجاه مسئوليته “المقدسة” عن بيته واولاده أولا، ومجتمعه ثانيا؟
وتوالت نتائج تلك الثورة حتى قيل ان حجم المعلومات تضاعف بطريقة هندسية وليست رياضية، وختى الآن لم تضع هذه الثورة أوزارها فقد افرزت أجيال متعاقبة منها تحدث التالية منها سابقتها حتى عاصرنا الآن الجيل الخامس من ثوؤة المعلومات

تعليق 1
  1. الحسين عبدالفتاح يقول

    جزاكم الله خيرا
    نحتاج للمزيد من الوعي والمعرفة
    الأمن الثقافي والهوية الوطنية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.