عبد الناصر البنا يكتب : ويرحل الطيبون .. مشيرة عيسى فى ذمة الله !!

غيب الموت هذا الأسبوع أخت غالية وصديقة عزيزة على قلوبنا ، وعلى قلب كل من عرفها عن قرب ، رحلت عن عالمنا عازفة البيانو المصرية العالمية الدكتورة مشيرة عيسى التى رفعت إسم مصر عاليا فى مختلف المحافل الدولية ، جاء خبر وفاة مشيرة كالصاعقة على قلب وعقل كل محبيها ومتابعيها ، لكننا نؤمن بقضاء الله وقدرة ، ونؤمن بأن الموت حق ، وأن هذا هو حال الدنيا التى شبهت بقطار راحل دون توقف والطريق أمامة طويل بلا نهاية وكل من تأتى محطته ينزل
ويفارقنا ويترك لنا الذكرى ، ولانملك إلا أن ندعوا له بالرحمة والمغفرة ونحتسبه مع المتقين فى
جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر .
كان رحيل مشيرة عيسى المفاجىء يوم حزن على الموسيقى والناس ، نعت جموع الشعب المصرية وفنانيها
ومثقفيها ومبدعيها الفقيدة الراحلة التى تصدر إسمها تريند ملفات البحث على موقع google طوال الأسبوع ،
ومشيرة عيسى لمن لايعرفها كانت أيقونة حب وقنينة عطر قل أن يجود الزمان بمثلها ، وكانت موهبة فنية قل أن
تتكرر ، وبعيدا عن رقتها وأنوثتها وجمالها وسمو أخلاقها ومشاعرها وحبها للناس ، أنها درست وتفوقت في مجال ربما
يندر أن تصل فيه المرأة إلى هذه المكانة العالمية .
بالأمس القريب لبت مشيرة عيسى دعوتى لتسجيل لقاء تليفزيونى سوف يتم إذاعته فى شهر رمضان ، وقد حلت
ضيفا عزيزا على البرنامج ” كما عودتنا كل عام ” ، والحقيقة أنها أشاعت جوا من البهجه والفرح داخل البلاتوه بطلتها
البهية وهدوءها المعتاد وذكاءها المتوهج ، وهى من هى ، هى التى كانت مسترسله فى كلامها ، وكانت الكلمات
تنساب منها وهى تسرد مسيرتها مع الفن والابداع فى سهولة ويسر ، وجاءت كلماتها رقيقة ، وكأنما كانت تودع بها
الدنيا ، قالت : أنها أحبت الموسيقى منذ أن كانت طفلة صغيرة ، وشجعتها والدتها الحاصلة على دبلوم العزف على
البيانو من الكلية الملكية للموسيقى فى لندن على العزق على آلة البيانو ودرسته وتفوقت فيه حتى أصبحت أشهر
عازفة بيانو فى العالم كما تمنت أمها .
تحدثت مشيرة عن هذا المشوار الطويل ، وكان الحديث عن حياتها الخاصة وأسرتها حاضرا طوال الوقت ، ذكرت والدها
الأستاذ الدكتور صلاح الدين عيسى طبيب النساء المشهور ، ووالدتها التى تبنت موهبتها وشجعتها وأورثتها هواية
العزف على البيانو ، وكان للزوح الدكتور مهندس محمد حلمى هلال النصيب الأكبر من الحب والكلام الصادق النابع
من القلب ، وفيض مشاعر الجياشة التى لم تسطيع أن تخفيها طوال الحلقة عرفانا منها بالجميل له .
كانت الدكتورة مشيرة عيسى هى الأقرب لى ولزوجتى منذ أن عرفناها لسنوات طوال ، وقد حلت لأكثر من مرة
ضيفه عزيزة على البرامج التى أقوم بإعدادها بالقناة الفضائية المصرية ، وأيضا على البرامج التى تقدمها زوجتى فى
الاذاعة المصرية الأم ، وكنا دوما فى موضع القلب منها كما كانت فى قلوبنا ، كانت مشيرة تحرض دوما على دعوتنا
على حفلاتها فى دار الأوبرا المصرية ومع أوركسترا القاهرة السيمفونى ، ولا أنسى يوم أن سرقت سيارتها فى عام
2011 من أمام أكاديمية الفنون وكانت تحبها وحزنت عليها لالشى إلا لحبها للأشياء التى إرتبطت بذكرى معها ،
تجاذبنا وقتها أطراف الحديث ، وقلت لها : والله العربيه هترجع لك تانى بس أصبرى ، ذكرتنى بهذا الموقف فى آخر
لقاء لها ، وقالت لى أنا فرحت لما العربية رجعت لى تانى ، أنت فيك حاجه لله !!
ولدت مشيرة عيسى وعاشت فى ” حى الزمالك ” هذا الحى الهادىء الجميل ، وعلى نيل مصر الخالد كانت النشأة
والتربية فى بيت يسوده الحب والمودة والوئام ، وله يرجع الفضل فى المكانة التى وصلت إليها إلى جانب الموهبة
التى ظهرت وهى فى سن لاتتجاوز السادسة من عمرها ، وبعد حصولها على الثانوية العامة إلتحقت بالكونسيرفتوار
وتخرجت عام 1978 ، وكانت الأولى على دفعتها وتم تعيينها معيده فى المعهد العالى للموسيقى العربية .
حصلت على درجة الدكتوراة فى البيانو بإمتياز وتخرجت من أكاديمية الموسيقى بالنمسا فى فيينا التى تعد واحدة
من أكبر الأكاديميات الموسيقية فى العالم . ولشدة تفوقها ونبوغها عزفت في أكبر الأوركسترات السيمفونية العالمية
، وقدمت خلال رحلة إبداعها حفلات كبرى حول العالم على مستوى قاراته الخمس ، وهى تعتبر واحدة من أهم
الصوليست الذين شاركوا فى حفلات أوركسترا القاهرة السيمفونى ، وشاركت فى حفل إفتتاح دار الأوبرا المصريه
فى ثمانينات القرن الماضى ، وعزفت أيضا فى مقر الإتحاد الأوربى فى لشبونة بالبرتغال عام 2017
كما شاركت فى العديد من المهرجانات الدولية مثل ( مهرجان سرفانتس ) الدولى بالمكسك ومهرجان أسابيع
الموسيقى الدولى بصوفيا ، ومهرجان أصيلة الدولى بالمغرب . كما قامت بجوله فى الشرق الأقصى خلال موسم
1994 ، وشاركت فى حفل إفتتاح مهرجان القلعة بالقاهرة ، وحصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير من
مصر والعالم طوال مشوارها الفنى ، ومنها ( تكريم من أكاديمية الفنون ــ و دار الأوبرا المصرية ، كما حازت على لقب
أفضل عازفة من منظمه اليونسكو خلال مشاركتها فى المهرجان العالمى للمرأة المبدعة ، ومهرجان سالونيكى
باليونان ، وفينا ، وشيكاغو للفنون ، وغيرها العديد من الجوائز .
وفي زمن قياسي إستطاعت الفنانة مشيرة عيسى عازفة البيانو العالمية أن تنتقل من نجاح إلى نجاح داخل مصر
وخارجها ، وأن تتوج مسيرتها الإبداعية بإختيارها إحدى ( مائة شخصية نسائية عالمية ) أثرت فى مجالها على
مستوى العالم عام 2019 .
وبكلمات صادقة نابعه من القلب كتب الزوج المكلوم على صفحته فى موقع ” فيس بوك ” ألف رحمة ونور على روحك
الطاهرة يامشيرة .. اليوم راح أتقبل العزاء فى رحيلك ، والله مش عارف راح أعمل إيه ؟ أنا لحد دلوقتى مش مصدق !!
، ربنا يرحمك ويصبرنا على فراقك .. حبيبة عمرى وزوجتى وصديقتى التى أنارت حياتى ..
وفى سرادق العزاء المقام فى مسجد عمر مكرم وجدته واقفا يستقبل المعزين وعلى كتفه حزنا يفوق الوصف
صافحته واحتضنته وهمس لى والدموع تملأ عينيه ” مشيرة ماتت .. أنا مش قادر أصدق ” وإنهمرت الدموع من عينيه
، ورغم أنى كنت أبدو متماسكا لكن الدموع غلبتنى وبصوت متقطع قلت : شد حيلك يادكتور محمد هذا أمر الله ،
البقاء والدوام لله وحده ، مشيرة كانت غالية على الناس كلها ربنا يصبركم .
أما قاعة المناسبات فكانت تمتلىء من كبار رجال الدولة الذين توافدوا وحرصوا على تقديم واجب العزاء ، ومن محبى
الدكتورة مشيرة وأسرتها ، ومحبى زوجها الدكتور محمد حلمى هلال الخبير الدولى فى مجال الطاقة ، وأصدقاءها ،
ومحبيها ، ومريديها ، وأبناءها طلبة المعهد العالى للموسيقى العربيه بأكاديمية الفنون بالقاهرة ، ومن أولئك الذين
جاءوا لتأدية واجب العزاء .
ما أصعب أن تختزل حياة شخص عزيز عليك فى كلمات ، أو تكتب له كلمات رثاء ، خاصة لو كان فى مكانه الدكتورة
مشيرة عيسى التى كانت تحرص دوما أن ترسل لنا وردة كل صباح ، سوف نحتفظ بورودك ماحيينا وسوف ندعوا لك
بالرحمة والمغفرة على قدر معزتك وحبك فى قلوبنا وقلوب كل من أسعدتيهم .