الدكتور هيثم الطواجني يكتب : الصراع المسلح ما بين الفكر .. والفكر المضاد (2)

نستكمل الحديث عن الصراع المسلح، الذي يعد إحدى مراحل حسم النزاعات التي تنشب بين الدول كنتيجة مباشرة لتضارب المصالح، وصراع الحضارات، وصراع الثقافات، والخلافات الحدودية، وغيرها من الخلافات والاختلافات، علي أنه لا يعد الخيار الأول، بل يسبقه بالتأكيد عدة مراحل تلجأ إليها الدول أولها التوتر الذي ينشأ نتيجة مجموعة من المواقف والميول تنبع من الشكوك وعدم الثقة، وتباين المصالح بين الدول وبعضها البعض، ولا تؤدي مرحلياً إلى اللجوء لاستخدام القوات المسلحة، بل هو درجة من درجات التخوف والعداوة،
وثانيها الأزمة وهي تحول فجائي عن السلوك المعتاد بمعنى تداعي سلسلة من التفاعلات يترتب عليها نشوب موقف غير متوقع ينطوي على تهديد مباشر للمصالح الجوهرية للدولة أو لقيمها، مما يتطلب ضرورة اتخاذ قرارات سريعة في وقت ضيق،
وفي إطار من عدم التأكد، وذلك حتى لا تنفجر الأزمة في شكل صدام عسكري أو مواجهة، أو بعبارة أخري تصعيد حاد للفعل ورد الفعل، يؤدي إلى تأجيج درجة التهديد والإكراه، ولكنها لا تفضي كلها إلى الحروب، فقد تسوّى سلمياً أو تُجمد أو تهدأ، وثالثها العدوان وهو كل لجوء إلى القوة من قبل الدولة باستثناء حالات الدفاع الشرعي واستخدام القوات المسلحة بطلب من الأمم المتحدة،
فضلاً عن الكفاح المسلح من أجل حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا يقتصر مفهوم العدوان على استعمال القوة المسلحة، فقد يكون العدوان اقتصادياً، مباشراً أو غير مباشر، وقد قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من مرة بتسمية القيام باستعمال القوة من خلال وسائل مباشرة، أو غير مباشرة باسم العدوان،
كما أكدت الجمعية العامة علي أن التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى بغرض تغير حكومتها الشرعية من خلال
التهديد، أو استعمال القوة سواء كان مباشراً بصورة علنية، أو غير مباشر من خلال إثارة نزاع داخلي مدني، وغير ذلك
يعد من أفدح الجرائم ضد السلام والأمن الدولي،
ورابع تلك المراحل هو القتال أو الحرب أو الصراع المسلح، وتلجأ إليها الدول لوجود مصالح متناقضة تناقضاً كاملاً، ولا
يمكن حلها إلا من خلال اللجوء إلى القوة المسلحة وليس مجرد التهديد أو التلويح بها، وبالتالي فإن الحرب أداة من
أدوات إدارة الصراع أو النزاع في إطاره الاستراتيجي، أو مرحلة من مراحله في إطاره الزمني،
وبرغم تعدد صور الحرب وأدواتها فإن القاسم المشترك للحروب هو عنصر الالتحام المباشر بين الدول، أي التصادم
الفعلي بوسيلة العنف المسلح حسماً للخلافات العميقة، فالحرب تمثل نقطة النهاية في بعض الصراعات الدولية،
ودرجة من درجات فض وانهاء النزاع في بعضها الآخر،
ويعتبر استمرار الصراع بين الدول وبعضها البعض أمراً محسوماً منذ فجر التاريخ، وحتي فناء الكون، وأكاد أجزم بأنه لم
يخلو عقد من الزمان دون تواجد مرحلة من مراحل النزاع بين البشر، ويحتاج الصراع إلي الفكر بشكل أساسي، ولهذا
كان المفكرون معنيين دائماً بوضع
الاستراتيجيات، والخطط، وآليات التنفيذ التي تكفل لدولهم تحقيق التفوق في النزاعات المتباينة، وابتكار نظريات
عديدة ومتجددة لتُمكن صانعي ومتخذي القرار من الحفاظ علي هذا التقدم، وتضمن لدولهم انفاذ ارادتها في أي صراع
محتمل، مما يستلزم بالضرورة استنباط أفكار أخري مضادة لإفشال هذه النظريات يقودها الأطراف الأخرى من الصراع.
(وللحديث بقية)