محمد يوسف العزيزي يكتب: مشروع ترامب.. المواقف الدولية والسيناريوهات المحتملة

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

لم تتوقف ردود الأفعال الرسمية والشعبية منذ انطلقت تصريحات ساكن البيت الأبيض المثيرة للجدل بشأن تهجير الفلسطينيين وإخلاء القطاع لتحويله إلي ” ريفييرا ” وكأن القطاع سقط سهوا من أملاك عائلته وقرر استرداده بالقوة بمعاونة مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني بإدانة دامغة من المحكمة الجنائية الدولية

التصريحات المجنونة قوبلت برفض قاطع من دول الجوار، وعلى رأسها مصر والأردن، إلى جانب إدانات واسعة على المستويين الرسمي والشعبي في كل المنطقة، وحتى من أقرب حلفاء الولايات المتحدة ومن داخلها !

وبينما تتفاعل الأزمة..  يبقى السؤال الأهم : ما السيناريوهات الممكنة لهذه القضية في ظل المعادلات السياسية الراهنة  وانعكاساتها على صورة أمريكا ، ومصداقية الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ترفعها واشنطن كشعارات ؟

المشهد الإقليمي والدولي يعكس إجماعًا غير مسبوق على رفض أي محاولات لفرض واقع جديد يهدد الهوية الفلسطينية أو يزعزع استقرار المنطقة ،  فمصر التي لطالما كانت ركيزة أساسية في معادلة السلام أكدت رفضها القاطع لأي سيناريو يتضمن تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وهو ما يتسق مع موقف الأردن الذي اعتبر أن أي محاولة من هذا النوع تعد تجاوزًا للخطوط الحمراء وتهديدًا مباشرًا لاستقرار المملكة والمنطقة ، وعلى الصعيد الدولي جاءت المواقف الأوروبية متسقة مع هذا الرفض – بما في ذلك دول طالما اعتبرتها أمريكا حليفة لها –  مما يعكس تحولًا في طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية بعيدًا عن المواقف التقليدية التي كانت تراعي الحسابات الأمريكية !

داخل الولايات المتحدة لا تبدو الأمور أقل تعقيدًا فبينما يسعى ترامب إلى مخاطبة قاعدة يمينية ترى في دعمه لإسرائيل ورقة انتخابية رابحة ، تواجه تصريحاته عقبات في الداخل حيث يدرك صناع القرار أن أي تحرك نحو فرض حل غير مقبول دوليًا قد يضع واشنطن في مواجهة مباشرة مع حلفائها .. الكونجرس الأمريكي ورغم انقسامه لا يمكنه تجاهل التداعيات الكارثية لخطاب كهذا على صورة الولايات المتحدة في العالم خاصة في ظل التحديات التي تواجهها السياسة الخارجية الأمريكية في أكثر من ملف مثل الملف الصيني ومخاطر تنامي قوة مجموعة البريكس التي تتسع وتضم دولا بها كيانات اقتصادية مؤثرة في الاقتصاد العالمي !

وفي المؤسسات الحقوقية والإعلامية يتزايد الضغط لتذكير الإدارة الأمريكية بأن الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية لا يستقيم مع تأييد أي شكل من أشكال التهجير القسري وهو ما قد يزيد من حدة الجدل حول ازدواجية المعايير التي تتهم بها واشنطن باستمرار، وفي ظل هذا المشهد المعقد تبرز عدة سيناريوهات محتملة

السيناريو الأول : استمرار الموقف الدولي الرافض لأي تحرك فعلي نحو التهجير، مما يضعف من فرص تطبيقه على الأرض

السيناريو الثاني : قد يتمثل في محاولة دفع الفلسطينيين نحو الخروج من قطاع غزة تحت ضغط الظروف الإنسانية القاسية ، وهو أمر يواجه تحديات كبيرة في ظل الإصرار المصري والأردني على التصدي له خصوصا بعد المشهد الكبير لعودة النازحين من الجنوب إلي الشمال للتمسك بالأرض في ظل تدمير شبه كامل لكل مقومات الحياة هناك

أما السيناريو الثالث : أن تتحول التصريحات إلى ورقة مساومة سياسية في أي تسوية قادمة دون تنفيذها فعليًا .. وهو أمر اعتادت عليه السياسة الأمريكية في أكثر من ملف خصوصا مع حكم ترامب فهو يمارس السياسة بمنطق التاجر غير الأخلاقي !

إلا أن المشهد قد يزداد تعقيدًا إذا أصر ترامب على ممارسة ضغوط مباشرة على مصر لقبول تهجير الفلسطينيين خاصة إذا لجأ إلى استخدام ورقة سد النهضة الإثيوبي وهو الملف الذي يمثل أحد أخطر التهديدات للأمن المائي المصري .. في هذه الحالة فإن القاهرة قد تلجأ إلى تصعيد استراتيجي عبر التلويح بورقة إبطال معاهدة السلام مع إسرائيل باعتبار أن أي محاولة لفرض واقع جديد من شأنها تهديد الأمن القومي المصري بشكل مباشر وهو ما لا تريده إسرائيل لعلمها المؤكد – حسب خبراء وسياسيين داخل الكيان – ما وصلت إليه مصر من قوة عسكرية والتفاف شعبي حولها ،  والمعادلة المصرية واضحة ..  أي مساس بتركيبة سكان قطاع غزة يعني تغييرًا استراتيجيًا في موازين القوى الإقليمية وهو ما لا يمكن لمصر القبول به تحت أي ظرف.

أما النتائج المترتبة على هذه الأزمة التي تتجاوز مسألة التهجير إلى ما هو أعمق فإن الخطاب الأمريكي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يواجه اختبارًا حقيقيًا أمام العالم ، إذا استمرت واشنطن في التناقض بين ما تدعو إليه وما تمارسه فإن صورتها ستتلقى ضربة جديدة تضاف إلى سجل التراجع الذي تعاني منه سياستها الخارجية وربما تعيد للعالم صورة التطهير العرقي الذي مارسته ضد سكان أمريكا الأصليين !

وفي المقابل فإن هذا الرفض الإقليمي والدولي قد يشكل فرصة لإعادة رسم ملامح التعاطي مع القضية الفلسطينية بعيدًا عن الضغوط الأمريكية في اتجاه أكثر استقلالية يراعي حقوق الشعوب واستقرار المنطقة !

وبين التصريحات المتصاعدة والمواقف الثابتة، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة، لكن المؤكد أن أي محاولة لفرض واقع جديد بالقوة لن تكون خيارًا مقبولًا في ظل الرفض الجماعي، مما يجعل القضية الفلسطينية مجددًا محور اختبار حقيقي للنظام الدولي ومصداقية الشعارات التي يرفعها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.