محمد نبيل محمد يكتب : ريا وسكينة من زاوية مغايرة .. (الأمن الثقافى والهوية الوطنية)
“ريا وسكينة” قصة تناولتها الدراما والحكى الشعبى منذ بدايات القرن الفائت، وبلغ الحكى عنها مستويات من الرعب والهلع، حتى صارت من كوابيس الحكى الشعبى، فقدمتهما الدراما المسرحية والاذاعية والتليفزيونية والسينمائية داخل مصر فى أكثر من إثنى عشر عملا، حتى ان الدراما السورية اتجهت لتجسيد حكايتيهما، وجميعهم قدموا الحدوتة من زاويتها المرعبة والمخيفة، ولما لا وصحف مصر ـ فى معظمها ـ فى توقيت وتاريخ وقوع الحادثة كانت تدين بالولاء للاحتلال البريطانى أو بالانصياع لسطوة القصر، فلا حقيقة إلا ما يعلنه الاحتلال وما يردده من وراءه بوق القصر (المنصاع).
وحتى الآن لم تقدم موسوعة ويكيبيديا (البريطانية) العابرة للقارات سوى ما صنعته آلة الدعاية المعادية ونسجه خيال الاحتلال منذ قرنين من الزمان، فالحكاية باختصار هى أن شقيقتين مصريتين من أشهر السفاحين في مصر، كونا عصابة لاستدراج السيدات والفتيات وقتلهن من أجل السرقة فى الاسكندرية، في الفترة ما بين ديسمبر 1919 ونوفمبر 1920
… وهنا تنتهى الحدوتة البريطانية التى تتحدث أولا: عن تشكيل عصابى بهدف القتل والسرقة يتزعمه سيدتان فى مدينة سيد درويش مفجر الحركة الثورية ضد الاحتلال (فنيا) وثانيا : تكرر السردية البريطانية مفردة (مصر) فى : سيدتين مصريتين، ومدينة مصرية، وأشهر السفاحين فى مصر، وأثاروا الذعر فى مصر… أليس من المهم التدقيق فى سبب تكرار الموسوعة البريطانية لمفردة : (مصر) وإقران صفة (المصرية) بالقتل والذعر، اليس من المهم الرجوع الى دراسات وبحوث المركز (الوطنى) للبحوث والدراسات الاجتماعية والجنائية برئاسة البحاثة النابهة الاستاذة الدكتورة
هالة رمضان على، والذى لم تشى دراسة ـ واحدة ـ صادرة عنه أو بحث ميدانى يصف الشخصية المصرية على مدار
تاريخها بالجريمة المنظمة، وأيضا لم تقم السيدات بجرائم تعد ظاهرة مجتمعية إجرامية على الإطلاق فى نسيج
المجتمع المصرى، وهن صاحبات المكانة والتقدير فى النسق المجتمعى المصرى، وخاصة فى هذه المدينة التى
أشعل فيها سيد درويش الوجدان العام ضد الاحتلال الانجليزى، وأيضا فى أثناء ظهور المرأة المصرية للمرة الأولى ثائرة
ضد الاحتلال وصلفه، وتشارك فى قيادة إرادة المصريين فى الافراج عن سعد زغلول ورفاقه، وتجاوزت المرأة المصرية
هذا الطلب الى المناداة باللاستقلال التام وجلاء الاحتلال البريطانى، ومطالبته بوفاءه بوعده بالجلاء عن مصر نظير
دعم المصريين لقوات الحلفاء ضد قوات المحور منذ 1914 وحتى 1019 نهاية الحرب العالمية الاولى.
كانت البداية عندما ولدت ريّا في قرية الكلح بمركز إدفو بأسوان 1875 وولدت سكينة في كفر الزيات في عام 1885
وتوفي والدهما وهما فى سن صغيرة، ثم انتقلتا مع والدتهما وشقيقهما إلى بني سويف، ثم إلى كفر الزيات وهناك
عملتا الشقيقتان في جمع القطن، وتزوجت ريا من حسب الله سعيد مرعي، وأنجبت الطفلة بديعة، وطفل آخر توفي
بعد ولادته، ثم انتقلت سكينة مع زوجها إلى الإسكندرية لتقيم في حي اللبان نحو عام 1913 ولحقتها أختها ريّا مع
أسرتها، تطلقت سكينة من زوجها وتزوجت بمحمد عبد العال الذي كان جارهم في ذلك الوقت… وهذه حكاية
انسانية اعتيادية على اسماع المصريين لا تخلق بالضرورة حالة من الإجرام.
أما الحكاية الدعائية البريطانية فتقول: نشأت حالة من الذعر فى الإسكندرية بعد أن نزحتا الشقيقتين (ريا وسكينة)
في بداية حياتهما برفقة والدتهن وشقيقهن الأكبر (أبو العلا) من أسوان إلى مركز كفر الزيات بالبحيرة، ثم إلى
الإسكندرية، واشتغلتا الشقيقتان فى الأعمال غير المشروعة كتسهيل تعاطى المخدرات ومعاقرة الخمور عن طريق
إنشاء محال سرية لتلك الممارسات، والقوادة وتسهيل الدعارة السرية، ثم اقتياد النساء وقتلهن والإستيلاء على
مصوغاتهن بمعاونة محمد عبد العال زوج سكينة، وحسب الله سعيد مرعي زوج ريا، وآخران هما: عرابي حسان،
وعبد الرازق يوسف… وألقى البوليس القبض عليهم يتهمة القتل العمد لـ 17 سيدة وتم إدانتهم من قبل المحكمة،
وتم إعدامهم في 21 و 22 ديسمبر سنة 1921
وتم نشر أسماء السيدات الضحايا بصحف الاحتلال والقصر، تسع قتيلات بمنزل رقم 38 حارة على بك الكبير، وثلاثة
منهن بمنزل رقم 5 شارع ماكوريس، حي كرموز، واثنتين بمنزل رقم 6، حارة النجاة، باجمالى 14 ضحية ولم تستطع
اكمال اسماء اوبيانات بقية ال 17 قتيلة.
وبقيت روايات بطلتى الاحداث متضاربة فى محضر النيابة، فلم يقدما اعترافات صريحة، فضلا عن تنحى وكيل النيابة
كامل عزيز وكيل النائب العام بالاسكندرية بعد مداومته على مدار اثنى عشر يوما بالتحقيق مع المتهمين من قبل
سلطة الاحتلال البريطانى ولم يستقر فى عقيدته إدانة المتهمين، حيث لم تمر التحقيقات بسهولة نظراً لتضارب
روايات المتهمين، وتعدد الخيوط، وعدم كفاية الأدلة، وفى القادم ان شاء الله نتعرف على موقف الشرطة المصرية من
زاوية جديدة!.