الدكتور هيثم الطواجني يكتب : قراءات في المشهد الإقليمي (6)
نستكمل الحديث عن أبرز مستجدات المسرح السياسي بإقليم الشرق الأوسط
– تشهد سوريا حالة من الحراك غير المسبوق، حيث تتغير الأوضاع السياسية بشكل سريع وحاد، وتنقلب الثوابت السياسية ما بين ليلة وضحاها، ومن كان مطلوباً للعدالة بالأمس أصبح رئيساً، ولعله يدرك قبل فوات الأوان أن عليه مسئوليات جسام أكبر بكثير من استقبال الوفود الرسمية، وأن اسرائيل بدأت بالفعل في بناء منشآت وقواعد بكل من جبل الشيخ (أعلي هيئة حاكمة في الشام) والقنيطرة وريفها، وأن الجنود الإسرائيليون يبتاعون من أسواق ريف القنيطرة الملاصق لريف دمشق، أم أنه استكان لما يملي عليه من أوامر ونواهي في صورة مقترحات من قبل الأصدقاء والحلفاء في آن واحد متناسياً أن ماضي وحاضر ومستقبل بلاده علي المحك.
– مشهد عودة الفلسطينيون سيراً على الأقدام لعشرات الكيلومترات من جنوب إلي شمال قطاع غزة، ولا يحملون
معهم سوى ذويهم وأطفالهم، وأبسط احتياجاتهم إن وجدت، يعودون إلي منازل مهدمة، ومساكن مدمرة،
ومستشفيات ومدارس محطمة وغيرها من مظاهر الحياة التي فقدت في قطاع غزة، ومع ذلك يرجعون إليها، وربما
تنحسر آمالهم في الحصول علي خيمة لإيوائهم، ولا هم لهم إلا أرضهم، ولا شيء سواها، بينما أعتقد بل أكاد أجزم
بأن مراكز الفكر والتخطيط الإستراتيجي في الغرب، لم ولن تفهم أبداً العقل الجمعي للمواطن الفلسطيني، واذا ما
فهموا لأمكن لهم تقدير الموقف بدقة، والخروج بتوصيات ومقترحات تمكن القيادة السياسية في بلادهم من اتخاذ
قرارات ايجابية تأتي بحل أبدي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأزلي، ولعلهم يتسألون عن سبب التشبث والتمسك
بالأرض التي سُحقت تماماً ولم يتبقى بها أي أثر، والإجابة واضحة ولكنهم لا يستوعبونها، لأنها ببساطة تتمحور حول
عقيدة أظنها أبعد ما تكون عن ما يتصورونه، إنها العقيدة التي دفعتنا في الماضي لاسترداد أراضينا، وتحثنا في الحاضر
علي الدفاع عنها، وتحضنا علي حمايتها في المستقبل، وهم يفتقرون إلي مثل هذه العقيدة وسواها من العقائد،
فهم نشأوا علي ابتلاع أراضي الغير، ونهب ثرواتهم، ونزحوا من شتي بقاع المعمورة تاركين بلادهم الأصلية ليستولوا
علي مقدرات الآخرين في مشاهد متكررة عبر التاريخ من الحملات الصليبية، والمستعمرات في آسيا وأفريقيا والعالم
الجديد، مروراً بإسرائيل التي أُنشئت بنفس النهج والمبدأ الاستعماري القديم، وإن كانت بمسميات مختلفة، فما
أشبه الليلة بالبارحة.
– تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على القيادة السياسية المصرية لقبول تهجير سكان قطاع غزة، بينما تحاول
اسرائيل خلخلة اللحمة المصرية، بخلق أخبار عن تقارب مزعوم مع إيران، تستدعي فيه صوراً قديمة من لقاءات
سياسية رسمية سابقة، بغرض اثارة دول الخليج، وشق الصف العربي، واحداث شرخ في العلاقات المصرية
الخليجية، لتُترك مصر وحيدة دون دعم في النزاع المحتمل، بعد أن نجحت اسرائيل بدعم ومساندة حلفائها في تحييد
قدرات بعض الدول العربية التي كانت فاعلة فيما سبق.
– هناك عدم فهم وإدراك حقيقى لما تطلبه أمريكا واسرائيل، فالقيادة السياسية المصرية تعبر عن الإرادة الشعبية
المصرية، ولا يملك أي مصري أن يفرط في ذرة من أرض مصر، فهناك عقيدة مصرية ثابتة في وجدان أطفالنا قبل
شبابنا وشيوخنا، ومبدأ راسخ في أذهاننا، فلا نقبل أبداً المساس بالأرض أو العرض أو الدين وهذا هو الثالوث المقدس
لدي جموع المصريين، فنحن نفضل الموت، بل نؤثره على أن نفرط في هذه العقيدة، ولنا في التاريخ القديم والحديث
الكثير من الأحداث التي تؤكد علي هذا المبدأ (وللحديث بقية).