الدكتور هيثم الطواجني يكتب : الصراع المسلح ما بين الفكر والفكر المضاد (1)

متي بدأ الصراع الأول بين البشر؟ وماذا كانت أهدافه؟ وهل كان هذا الخلاف هو اللبنة الأولى للصراع المسلح؟ والحقيقة أن الإجابة تقتضي منا التدقيق والتحقيق في التاريخ القديم جداً للإنسان وصولاً إلى زمننا المعاصر.
فأول صراع مسلح في التاريخ كان بين شقيقين، دب فى نفس أحدهما الاختلاف والخلاف مع شقيقه، ثم تحول الأمر إلى النزاع، وبشكل فردي أستخدم أحدهما القوة ليصرع الآخر، ويحقق غايته، ويصل إلى هدفه، ومن هنا ظهرت اللبنة الأولي لما يعرف باسم الحروب أو الصراعات المسلحة، واستمرت الحياة على الأرض، وتنوعت الأفكار والأساليب وطرق التنفيذ بين البشر، وبعضهم البعض.
والحرب هي آلية من آليات الصراع بين البشر، بعد أن تطوروا وشكلوا فيما بينهم جماعات، وعشائر، وقبائل، وامارات، ودول، تتقاطع أهدافها، وتتعارض مصالحها، فتلوح فيما بينهم بوادر النزاع، ثم الصراع، ولكن اللجوء إلي الصراع بشكل عام والصراع المسلح بشكل خاص كان له كُلفته الباهظة علي مر العصور، ولا أعني هنا التكلفة المادية فقط، بل
كانت دائما الخسائر البشرية هي المحدد الأول لإمكانية الدخول في الحروب، فمن الممكن دائما جبر الغرامات المالية
ولو بعد حين، بينما يصعب تماماً تعويض ضياع القدرات البشرية علي الأقل في المستقبل المنظور، فدائماً كان البشر
وقدراتهم المتعددة والمتنوعة، هي الكنز الذي لا يفني، والرافد الذي لا ينضب، ومحل استهداف الطرف الآخر في أي
وكل صراع مهما كان شكله، لذلك كانت الحروب في كافة صورها تركز على استنزال القدرات البشرية والمادية للطرف
المهزوم، وهكذا تطورت نظريات الفكر والفكر المضاد، فكل طرف يسعي لفرض سطوته، وكسر إرادة الطرف الآخر بأقل
خسائر بشرية ومادية ممكنة، فظهرت الفكرة الأساسية في أرض المعركة ممثلة فى الإنسان مترجلاً، وحاملاً معه
أداة مبتكرة لقتل عدوه، بدءً من الحجارة، والأخشاب، كنواة للحرب البدائية، فتطويع الحديد، وصهره في شكل سيف
يهاجم به، ودرع يدافع به عن نفسه، ورمح يحقق له النيل من عدوه علي مسافة آمنة، وسهم يطلقه على مدي
بعيد يضمن له إحداث خسائر في صفوف عدوه المحتشد، وكان الطرف صاحب التفوق العددي هو المنتصر في أغلب
الأحوال، فأبتكر الإنسان فكرة أخري مستخدماً الدواب، والحيوانات المفترسة، والعجلات الحربية لإكسابه السرعة،
وقوة الصدمة المطلوبة لتفتيت الكتلة البشرية المعادية، ولحماية المجتمعات التي جاهد البشر لتكوينها، وزيادة
تأمينها وتحصينها ضد هجمات القوي المعادية، لجأ الإنسان المفكر لبناء الحصون، وحفر الخنادق حولها، ووضع
الممانعات الهندسية على طرق اقتراب مهاجميه، فبدأ المهاجم في إعداد ادوات فرض الحصار، وتسلق الأسوار، ومن
بينها آلات المنجنيق التي تعتبر الفكرة البدائية لما يعرف بسلاح المدفعية، بغرض دك الحصون، وهدم أو نقب أسوار
الطرف المدافع، والتغلب علي الدفاعات والتحصينات، وهكذا استمر الصراع بين الفكر والفكر المضاد منذ فجر التاريخ
وحتي الآن، فكل طرف يحاول أن يبتكر سلاحاً جديداً، أو يطور سلاحاً مستخدماً بالفعل، أو يبتكر طريقة استخدام لهذا
السلاح لم يسبقه إليها أحد لتحسين القدرات وتعزيز الامكانيات الخاصة بهذا السلاح، وذلك أملاً في تحقيق التفوق
المطلوب، وإنجاز ما يكفل له النصر علي عدوه، وعلي كل طرف يدخل هذا المعترك الوجودي أن يحاول وفق إمكانياته
وقدراته، والحقيقة أن الحرب ليست الأداة الوحيدة لحسم الصراعات، ولكنها الوسيلة المثلي لحسم التناقضات
الجذرية التي لم يعد يجدي معها استخدام الوسائل الأخرى(وللحديث بقية )