عبد الناصر البنا يكتب : الشرطة المصرية .. رصيد من الذهب !!

عبد الناصر البنا
عندما شرعت فى كتابة هذا المقال مرت على ذاكرتى مشاهد شاء القدر أن أعيشها وأكون شاهدا على تفاصيلها بنفسى ، فى مرحلة كانت حاسمة من تاريخ وطننا الغالى ، ولولا فضل الله علينا وحفظه ورعايته لهذا الوطن لكنا فى خبر كان ، وأنا هنا أختص بالذكر فترة الإنفلات الأمنى بعد أحداث يناير 2011 ، ودعونى أصدقكم
القول أنه مفيش حد يقدر ينكر نعمة الأمن والأمان ، أو أنك تعيش فى مجتمع لاتأمن فيه على أولادك وممتلكاتك ، وأكيد كلنا شايفين وحاسين بالدول المحيطة بنا ممن حرموا من نعمة الأمن ، وما آل إليه مصير أبناءها كونهم لاجئين فى دول العالم ، بعد أن رحلوا وتركوا ديارهم وممتلكاتهم بحثا عن ملاذ آمن لهم . ” اللهم لاتحرمنا نعمة الأمن والأمان وإجعل مصر بلد آمنا سخاءا رخاءا وسائر البلاد يارب العالمين .
لا أود أن يكون كلامى مكررا عن تضحيات الشرطة ، أو مناسبة الإحتفال بعيد الشرطة وقت أن دافع أبناءها عن مدينة الإسماعلية عام 1952 . أو عن تضحيات أبناء الشرطة الذين ضحوا بدمائهم من أجل أن نعيش ، وعرفانا بما فعله هؤلاء وكتقليد تحتفل مصر وقياداتها كل عام بهذه المناسبة العظيمة التى مر عليها 73 عاما ، ولعلنا تأثرنا كثير بالتضحيات التى قدمها رجال الشرطة البواسل من خلال المواد الفيلمية التى تم عرضها خلال الإحتفال لا لشىْ إلا ” وذكر ” ربما نكون قد نسينا فى خضم الحياة وصراعها .
الحديث عن الشرطة وتضحيات الشرطة وممن خضبت الأرض بدمائهم قد يطول .. كثيرا . والحقيقة أننا مررنا بتجربة
كانت قاسية جدا ندعوا الله أن لايعيدها أبدا ، وأنا هنا أعود لاسجل ملمحا من مشاهد عشتها خلال فترة الإنفلات
الأمنى عقب أحداث يناير 2011 ، وأنا واحدا ممن عايش هذه الأحداث وشاءت إرادة الله أن أنجو من الموت فى يوم 18
يناير 2011 لـ 4 مرات بأعجوبة فى يوم واحد عصيب ، حيث كتب لى عمر جديد عند نقطة شرطة الزاوية الحمراء خلال
تبادل عشوائى لـ إطلاق النار بين متظاهرين وأبناء الشرطة المتحصنين داخل المبنى بعد ان احرق المتظاهرين كل
سيارات الشرطة الموجودة أمام النقطة ، والثانية أمام قسم شرطة إمبابة والمساجين يحملون أسلحة آلية خارج
القسم ويطلقون النار بطريقة عشوائية على المارة ، والثالثة كانت أمام قسم شرطة أول الجيزة على كورنيش شارع
البحر الأعظم بنفس سيناريو ومشاهد قسم شرطة إمبابة ، إنتهاءا بنقطة شرطة الطالبيه فى شارع عثمان محرم ،
وعندها ظننت أنى ميت لامحالة ، وإستودعت الله مالى وأولادى ، ولكن الله أراد لى الحياة !!
تجربة أعتقد أنه لايوجد شخص منا لم يمر بمثلها أو سمع عنها ، أو حاول ان يفك لغز لماذا جهاز الشرطة تحديدا وفى البال احداث شارع محمد محمود واحد واتنين والمحاولات المستميته لاقتحام مبنى وزارة الداخلية !!
ولتدابير القدر أن أمر بمحنة ثانية بخلاف المحن التى واجهتنا اثناء اداء عملنا الاعلامى وهذه المرة تتوفى أختى
الكبرى ” أمى الثانية ” يوم 9 فبراير قبل التنحى بيومين وكانت مصر ” مهلهلة ” أمنيا بكل ماتحمله الكلمة ، وإقتضت
الظروف أن أسافر إلى مسقط رأسى فى محافظة قنا لمواراة أختى الثرى فى هذا الوقت العصيب ، ولك أن تتخيل الـ
12 ساعة التى قطعتها ليلا ذهابا لمسافة 650 كم فى طريق غير آمن تنتشر فيه عصابات السلب والنهب وإستيقاف
الناس وأخذ ممتلكاتهم بالقوة ، وفى الطريق رأيت بعينى المحلات وهى تنهب محتوياتها مشاهد يصعب أن توصفها
كلمات ، خاصة لمن عاشوا التجربة ، ولك أن تتخيل نفسك تمشى على طريق يسوده ظلام دأمس فى وقت ينعدم
فيه الأمن ، وقد ضعت عليه متاريس من أحجار ودبش وأشجار وجذوع نخل .. إلخ ؛ وتنزل كن سيارتك لتفسح لنفسك
الطريق ، فتجد سلاحا مصوبا على رأسك أو خنجرا على خاصرتك ، وعليك أن تطيع الأوامر وإلا فقدت حياتك ، لمجرد
أن تأتى بتصرف غير مقبول ممن يستوقفوك ، والعجيب أنك قد تفقد حياتك كونك لاتحمل علبة دخان طلبت منك ، وقد
تطأ قدمك حثة ملقاة فى المكان الذى إستوقفت فيه !!
والله أن تجربة فقدان الأمن تهون أمامها كل الصعاب ، وهى نعمة لاتدانيها نعمة !!
أتذكر عبارة وردت على لسان الفنان خالد صالح ” رحمه الله ” فى فيلم هى فوضى ، قيل أنها من العبارات التى كانت
سببا فى إندلاع أحداث يناير 2011 بسبب إنحراف جهاز الشرطة ” إللى مالوش خير فى حاتم .. مالوش خير فى مصر
“وهو يجسد المحسوبية والرشاوى التى تفشت من بعض المنتسبين لهذا الجهاز العريق . وأنا هنا لاأريد أن أفتح
جراحا إندملت ، ولكن قصدت أن ماحدث فى يناير 2011 كان درسا لنا جميعا لجهاز الشرطة وللشعب المصرى ،
والحقيقة أن الدولة فطنت سريعا لذلك وقامت بإصلاح كل تشوهات الجهاز بدءا من أمناء الشرطة ؛ وخاصة بعد أحداث
تظاهرات الأمناء فى محافظة الشرقية ؛ وأنهت أسطورة الأمين ” أبو جبل ” وإستحدثت نظاما جديدا لـ أمناء الشرطة ،
ولاننكر أن الدولة قامت بمد جسور من الثقة بين رجل الشرطة والمواطن فى الشارع المصرى ، والجميل أيضا أن
أكاديمية الشرطة طورت مناهج التدريس لطلبة الكلية وأدخلت حقوق الإنسان كمادة أساسية ، وأصبح من حق
المواطن أن يحصل على حقة ضد أى تجاوز مهما كانت درجة من تجاوز فى حقه .
والجميل أن نجنى ثمار تلك الإصلاحات فى المرحلة الحالية متمثلة فى حالة الأمن والإستقرار التى نعيش فيها ولا
ننسى أنها جاءت بعد معركة مريرة مع الإرهاب ، معركة كادت أن تعصف بنا لولا رعاية الله لنا ، وتضحيات أبناء الجيش
والشرطة البواسل ، لدرجة أنه لايوجد عائلة فى مصر إلا ولها شهيدا أو مصابا فى تلك الأحداث ، وهؤلاء هم أبناء
الشرطة والجيش !!
وهؤلاء هم أخوتى وأخوتك ، وأولاد عمك وأبناء عمومتنا ، وجيراننا هم من لحمنا ودمنا والله ليسوا أغرابا أو مرتزقة !!
أن من ينظر إلى المنطقة جولنا من جهاتنا الأربعة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ومن يقلب وجهه إلى السماء لابد أن
يحمد ربنا على ماننعم به من نعمة الأمن والأمان ، نحن فى نعمة لانشعر بها لأننا نعيشها ، وأرجوك عزيزى القارىء
أن تتخيل نفسك تعيش ولو ليوم واحد فى ليبيا أو اليمن أو سورية أو السودان أو غزة .. إلخ
كبف يكون حالك ؟ ألسنا فى نعمة لانشعر بها ، نعم قد تكون هناك ضغوط وضعتنا فيها الأحداث ولكن لابد أن نتحمل
ونصبر ، وأن لاننساق وراء الغوغائيه والدهماء من الناس ، وأن نتحرى الصدق من الاخبار ، وأن لاننساق وراء من
يجاهد خلف مفاتيح الشبكة العنكبوتيه من أجل الفت من عضد الناس ، وبث اليأس فى نفوسهم والله تعالى يقول {
إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً } ويقول : قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ صدق الله العظيم .
حفظ الله مصر .. وكل عام وأنتم بخير
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.