محمد نبيل محمد يكتب : الأمن الثقافى والهوية الوطنية .. من قتل “سيد درويش”.. الاحتلال أم المخدرات؟!
بعد أن تناولنا ـ معا ـ خديعة الاحتلال الفرنسى فى الترويج لفضيلة شامبليون على الحضارة المصرية، وتبين بالسرد التاريخى العلمى أن الأصل فى ترجمة اللغة المصرية القديمة كان لابن سوهاج ذا النون المصرى، والآن نكشف ـ معا ـ النقاب عن خديعة أخرى دبرها احتلال ثان لمصر وهو الاحتلال البريطانى، وذلك من خلال البحث عن فرضيات رحيل إمام الملحنين “سيد درويش” بالوفاة أم بالقتل!.
البداية كانت عندما أطلق أحد قطبى الفكر والأدب والملقب “الاستاذ” لأن فى صالونه الفكرى والأدبى لا استاذ غيره، وهو عباس محمود العقاد، وبالمناسبة الثانى كان “العميد” طه حسين.
نعود للاستاذ الذى رفض أن يأخذ الدكتوراه من جامعة القاهرة، قائلا :” العقاد جامعة وليس رسالة دكتوراة!” كما ذكر “فاروق جويدة، والعقاد هو من أطلق على سيد درويش لقب “إمام الملحنين” إذا تجاورا معا كعنصرى للقوة الناعمة ضد الاحتلال النجليزى على مصر فى أثناء ثورة 1919 فكان العقاد كاتب الوفد الأول كما كان درويش ملحن الثورة، فهل يعقل أن يتجاور العقاد الملقب بـ “الكاتب الجبار” مع سيد درويش “الحشاش” وتلك الصفة التى ألصقها له الاحتلال حتى يتخلص منه!
ولمن لا يكفيه حكم “الاستاذ” الذى وصف سيد درويش بـ “إمام الملحنين” فالنذهب إلى القليل من عناء البحث، فعندما توجه محرك البحث على موسوعة “ويكيبيديا” البريطانية او دائرة المعارف او موسوعة الفنون والاداب (!) باحثا عن سبب وفاة “سيد درويش” فورا تجدها تهديك إلى وفاته بتناوله كمية مفرطة من المخدرات، وفقط، وإذا تحذلقت وكتبت :”هل قتلت بريطانيا “بالسم” سيد درويش؟” لا تجد ردا ولا إجابة على الإطلاق.
لكن بدراسة يوم وفاة سيد درويش وهو ـ أيضا ـ محل خلاف فهل هو 15 سبتمبر أم 17 ، وكيف لا تذكر صحف مصر خبر وفاة أحد أهم ملحنيها، وهو بالفعل الذى ألهب الوجدان العام ضد الاحتلال والقصر الموالى للاحتلال، “.. تلك الصحف فى حصر عددى لها كما وصفه الدكتور رمزي ميخائيل فى كتابه “الصحافة المصرية وثورة 1919” والصادر عام 1992 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويعد دراسة تاريخية عن الصحافة المصرية في فترة من 1918 وحتى مارس 1922، وقدم المؤلف حصرا للصحف المصرية وهي “الأخبار، الاستقلال، الأفكار، الأمة، الأهالى، البصير، السفور، الكشكول، المصور، اللطائف المصورة، اللواء المصرى، المحروسة، مصر، المقطم، المنبر، النظام، وادي النيل، الوطن”، بالإضافة للصحيفتين اللتين كانتا تصدران في مصر أثناء الثورة، باللغة الإنجليزية وهما ذى ايجبشان جازيت و إيجبشان ميل.
وبالمناسبة ذكرت الدكتورة نجوى كامل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة : تناولت الصحافة ثورة 19 على استحياء وقتها، في قالب “تغطية خبرية”.
لكن الغريب والمثير للعجب أن طائفة الصحف هذه لم تنشر خبرا واحدا عن وفاة “فنان الشعب” وهى ذاتها الصحف التى كانت تنشر فى أخبارها الفنية تنقلاته الفنية فى بلدان الشام، اللهم سوى صحيفة “المقطم” والتى كان معهودا عنها مناصرة الاحتلال، فقد نشرت صحيفة المقطم فى 21 سبتمبر نعيا من بديع خيرى لصديقه سيد درويش يرثيه ويعاتب على الصحف المصرية لعدم تناولها لخبر وفاة فنان الشعب والثورة، ويذكر بديع خيرى فى رثاءه “مات أمس الأول”، يعنى يوم 15 سبتمبر، وتم أرسال المقال يوم 17 سبتمبر، ونشر متأخرًا فى 21 سبتمبر، مع عدم حذف “أمس الأول” من كلمة بديع خيرى، .. ولأن الصحافة من وظائفها والتى تعد وثيقة تاريخية، وهو ما حدثنى عنه من تتلمذت على يديه أستاذ الصحافة الأول “خليل صابات” .. والصحافة هى ذاتها التى وثقت صمت الصحف عن رحيل سيد درويش، وهى أيضا التى وثقت كلمة بديع خيرى:” مات أمس الأول نابغ فى ريعان شبابه، كان أقدر مؤلف موسيقى عرفته المسارح العربية،ذلك هو المرحوم سيد درويش، أول من أوجد صلة من الفن الحديث بين الموسيقى الشرقية والغربية،مات هذا الفنان العالم فما حرك انصار النهضة ساكنا، ولا أبدوا إلى مواساة عائلته ميلا ما، ولست أدرى بعد كل هذا اتنصفه الصحافة….”
ومن كتاب “مناهج البحث” للرائدة الأستاذة الكتورة عواطف عبد الرحمن، تعلمت تحليل المضمون الكمى والكيفى، وبجهد يسير من هذا النهج التحليلي نجد صمتا واضحا فى صحف مصر الملكية والبريطانية عدا تلك المناوءة للاحتلال، وتبرق فرضية بحثية :”من صاحب السطوة والسلطة على الصحافة لتجاهل خبر وفاة سيد درويش؟” والفرضية الثانية تنبت من حيث أن مصر هى راعية الفن الصحفى فى الوطن العربى بدليل هجرة اصحاب الصحف من الشام والعراق والسودان لاستمرار صدورها من مصر، بالتالى هى موطن حقيقى للصحافة الحقيقية والتى بالضرورة من الواجب المهنى أن تتبع أخبار وفاة سيد رويش كما تتبعت أخبار رحلاته الفنية إلى الشام، وعروضه المسرحية فى القاهرة والاسكندرية، وانتقالاته من فرقة مسرحية لأخرى، وهنا الفرضية التى تقول بإلحاح:” كيف تجاهلت صحافة مصر خبرا مهما كرحيل سيد درويش سواء بقتله أو بتعاطيه جرعات مفرطة من المخدرات؟! أليس هذه مسببات عمل صحفى ناجح ؟! اللهم إلا إذ كان للقصر أو للمندوب البريطانى رغبة فى الصمت، وعمل الرقيب عمله فى المنع والحذف، لهدف ما!!.
وسنستكمل فى القادم أن شاء الله فرضيات قتل “فنان الشعب” على يد الاحتلال البريطانى.