محمد نبيل محمد يكتب : الاستثمار الثقافى والجمهورية الجديدة (٢٠) .. الذات القيّمة والذات الناتئة (2/2)

الكاتب محمد نبيل محمد

تُستهدف الشخصية المصرية المعهود عنها بمجمل صفاتها القيمية والمستندة على الأخلاق والمبادئ والقيم التى صاغها المصرى الأول لتقتدى بها البشرية ولتكون أهم ركائز التحضر والتمدن, وبخلاف الشخصية الناتئة الممتلئة بالعوار والشذوذ والتى تأتينا صفاتها السلبية عن طرق عدة من خلال الغزوات الثقافية المتتالية، وبعد الحديث عن موضات الغرب الشاذة والترويج للتأسى بها وتذخير كل سبل وآليات الدعاية من وصائل التواصل الاجتماعى والإعلام الكلاسيكى والمرقمن, والدراما الأرضية القديمة المعتمدة على موجات ومساحات التردد إلى التالية التى اتخذت من الأطباق (الدش) سبيلًا لتخطى حدود الجغرافية من مشرق الأرض لمغربها, وأخيرًا تلك الدراما المعتمدة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وما احتوته من منصات المشاهدة على المحمول, تلك الوسائل كلها كانت تروج بشكل مباشر أو غير مباشر لقيم غربية، منها الصالح وكثير منها الطالح، وكثرت أحاديث المهتمين بحتمية مواجهة الغزو الثقافى، وكانت أولى تلك المواجهات هى صناعة رسائل ومضامين إعلامية ودرامية تصون الهوية الثقافية الوطنية، وتدعم القدرة على الانتقاء الواعى للرسائل القادمة من الغرب, وتنادت الأصوات بضرورة مواجهة الوافد المهاجم من الثقافات الغربية حتى بُحت تلك الحناجر وجف مداد أقلامها وتلاشت أمام زحف جرار لهجوم الثقافات الغربية، وبالتالى تم تحييد حراس الثقافة الوطنية أو حراس البوابة كما أطلق عليهم ريتشارد ماكلوهان (أحد الأوائل المنظرين لعلم الإعلام السياسى) هذا من جانب، ومن آخر أمام سلبية الدفاع (اصطلاح تحدث عنه أحد عباقرة الفكر الاستراتيجى صن زو), وبالتالى إن لم نعلم أن الإعلام والدراما قد اكتسبوا أهدافًا أخرى (خبيثة) غير التى تحدث عنها أصحاب الأدبيات الأشهر فى مكتبة الإعلام، والتى كانت للترفيه والتسلية والتعلم وصيانة الهوية الثقافية و…, إلى أن أصبحت الدراما ومن بعدها الإعلام من وسائل الاستعمار الثقافى وآليات أدلجة الشعوب، ومحو الثابت الركين من ثقافاتها المتضمنة عادات وتقاليد وموروثات تشكل الأنساق الأخلاقية والمبادئ المجتمعية, وبشكل عام تحول كلاهما إلى أسلحة أقرب لتحقيق النصر للدول المعادية دون إراقة دماء جنودها، وتحدث فى هذا الشأن الكثيرون من جيل الأساتذة أمثال: هربرت شيلر فى كتابيه (المتلاعبون بالعقول) و(الهيمنة الثقافية)، ومن المحدثين مثل: بول كيندى فى مؤلفه (انهيار الإمبراطوريات العظمى)، الذى أفرد فيه بإسهاب لإمكانية احتلال وجدان الشعوب وعقولهم دون إراقة نقطة دم من خلال محو ثقافات هذه الشعوب, وكان الأكثر تأثيرًا الناقد الفرنسى الأشهر رولان بارث الذى غالى فى تعظيم دور الصورة الدرامية والإعلامية حتى أنه أطلق عليها (الصورة هى: الإله الثانى)، وهذه الجملة هى الترجمة الحرفية لكتابه الذى تحدث فيه عن سهولة محو ثقافة المتلقى من خلال الصورة المخادعة والكاذبة.
نعلم يقينًا أننا شعب مستهدف (دون التأثر بنظرية المؤامرة)، وتاريخنا يشهد على ذلك؛ إذ لم توجد أمة فى التاريخ تعرضت لمثل هذا العدد من الحروب والغزوات من أجناس الأرض شرقها وغربها, وربما كان هذا المواطن ابن هذه الأرض بما عرف عنه ببسالة الدفاع عن أرضه التى أسمتها له أمه أنها (العرض)، وحتى يسهل هزيمة هذا المواطن كان من المهم نزع ثقافاته التى يعتمد عليها وإبدالها بثقافة هجين غير أصيلة تتحدث عن الشذوذ صراحة وعلانية، حتى يكون الحديث الغالب على الأسماع هو الذى كان محظورًا لا لكونه معيبًا فحسب، وإنما لأنه كان -أيضًا- مسلكًا مهجورًا من المصريين, ولكن الآن تخرج علينا إحدى المخرجات تتحدث علانية عن شذوذ أحد المنتمين للوسط, وآخر يُباهى بحريته فى ممارسة حياته كما يشاء، وتتناقل وسائل الإعلام كسرعة النار فى الهشيم مثل تلك الأخبار التى لا تثمن ولا تغنى من جوع، اللهم إلا إذا أريد منها أمر ذو ريب.
وباستمرار الحديث عن الشذوذ وأنه حرية مطلقة لأصحابها، ربما لا يعلم المُستخدَمون فى هذا السياق أنهم بهذا الترويج الأعمى يساوون بين مجتمعنا العفيف والغرب…! وبهذا يكونون ضمن أدوات الآخرين فى استهداف أبنائنا بعد نشر أسقام الاغتراب، تليها رذيلة الشذوذ تمهيدًا للترويج للضلال المبين وهو (الإلحاد)، وبهذا يكتمل مثلث هزيمة المصريين كما يخططون، وهم الذين يسعون إليه بعد أن انهزموا مرارًا فى حروب منظمة (الجيل الثالث) أو عصابات مؤدلجة (الجيلين الرابع والخامس), وبعد أن فشلوا فى محاولاتهم للتركيع الاقتصادى للمصريين, ويسعون الآن لنخر ثوابت الشخصية المصرية.
وما بين الاغتراب ثم الشذوذ إلى الإلحاد نستكمل فى القادم إن شاء الله حديثًا عن محاولات الهجوم على الشخصية المصرية, لنخوض معارك للوعى مقتضى الحال يحتم الانتصار لا محال فيها, ولنبنى أركانًا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وإدراكه لإمكاناته فى التغيير, وعلى الإنسان أن يُعيد تقييم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية فحسب، وإنما الباطنة أيضًا, ويعود كما كان أجداده الأصل وأصحاب الفعل، وليس الشبه والمفعول به!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.