الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب :فسيكفيكهم الله

الكاتب الصحفي عصام عمران

بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ وما تلاها من مؤامرات كانت تستهدف إسقاط الدولة المصرية وتفتيت مؤسساتها الوطنية وطمس هويتها وتسطيح عقول أبنائها،  ظن الجميع أن مصر ضاعت كغيرها من دول المنطقة حولنا خاصة بعد وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم ، ولكن الله سلم وسخر لمصر شعبا وفيا وجيشا وطنيا وشرطة ابية وقائدا مخلصا التفوا جميعا حول الوطن وبحق كان فضل الله علينا عظيما بل و عظيما جدا إذ أنقذ البلاد والعباد مما كان يحاك ضدهم في إطار ما كانوا يطلقون عليه الشرق الأوسط الجديد وتحت ستار ما أسموه الربيع العربى !! .

فقامت ثورة 30 يونيو ٢٠١٣ التى كانت نقطةً مفصليّة، ولحظةً تاريخية فارقة، فمنها تبلورت الإرادة الشعبية على أرضية واضحة، واضطلعت المؤسَّسة العسكرية بمهمّة وجودية، لم يكن مأمولاً أن نخرج من النفق ما لم تُبادر بها،

ولعب الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام وزير الدفاع حينئذ دور القيادة والتوجيه بحسمٍ واعتدال، تبعته أدوارٌ بالغة الدقّة والتأثير من أجل وقف النزيف، وتكملة استئصال الورم، وترشيد كُلفةِ العبور الآمن، وصولاً إلى استعادة الاستقرار وتطبيع الحياة اليومية لملايين المصريين؛ بعدما كانوا مُهدّدين بالقمع ماديًّا ومعنويًّا، وبالوصاية الأُصوليّة الغاشمة واتّخاذهم رهائن لصالح مشروع رجعى يتجاوز هويّة مصر ومصالحها وأمنَها القومى.

وبالغعل كان الانتصارُ لإرادة المصريين أوّلَ النجاحات وأهمَّها، لكنّه لا ينفصل عن تثبيت تلك الإرادة. حدث ذلك عبر معركةٍ طويلةٍ خاضتها مصر ومُؤسَّساتُها ولا تزال مقابل حروب دعائيّة وسياسيّة مُمنهجة، لم تنفصل عن موجات العنف والإرهاب المدفوعة والمُموّلة من القوى نفسها. هكذا يُمكن النظر الآن إلى قوة الدولة ومُكوّناتها، وثبات مواقفها دون تهاونٍ أو انصياع، واستعادة علاقاتها الطبيعيّة  على المستويين الإقليمى والعالمى وفق شُروطها أو بما لا يتصادم مع عقيدتها، وتوطيد الروابط وترقيتها، والتداخل العميق والواعى مع الملفّات الساخنة،

علاوة علي لعب أدوار رشيدة وحاسمة على جبهات مُلتهبة وفى محافل ومؤسَّسات راسخة أو مُستحدَثة، من زاوية أنها استكمال للنجاح نفسه عبر ترميم ما تركه الإخوان وسابقوهم من شروخ فى جسد مصر، ثم تثبيت هذا الجسد، وتغذية طاقة الدفع لتتحرّك به إلى الأمام رغم ضخامته وثِقَل ميراثه،

وصولاً إلى إيجاد مسالك واتّجاهات مُستقبليّة صالحة لإعادة إنتاج الواقع على وجهٍ أفضل، ووضع لَبناتٍ أُولى فى معمار المستقبل وفق رؤيةٍ مُنسجمة مع السياق الراهن داخليًّا وخارجيًّا، وقادرةٍ على استكشاف الطاقات الظاهرة والباطنة ، وحسن توظيفها بما يُحقّق لمصر ما أعجزها سابقًا، ويهضم ميراثَها القديم، ويستوعب ما يتشكّل أو يُستجدّ من تحدّيات!

كلنا يعلم أن الرئيس عبد الفتاح السيسى  تسلم بلدًا مُنهكًا وفق كلّ المُؤشِّرات والأرقام وما رأيناه وعشناه. خسائر أحداث يناير 2011 وما تلاها تجاوزت وحدها 6 تريليونات جنيه، فضلاً عن نزيفٍ اقتصادى وتراجُعٍ فى الإنتاج وزيادة كُلفة المعيشة مع تراجع الاحتياطى النقدى  من 36 مليار دولار قبل 2011 إلى نحو 12 مليارًا بحلول 2014، وتجاوزت البطالة 13%، وتقلّصت الرقعة الزراعية بأكثر من 90 ألف فدان بسبب التعدِّيات والمُمارسات الجائرة، مع تراجع النمو والاستثمار المُباشر وزيادة مُؤشِّرات التضخّم والفقر والأمراض واهتزاز التصنيف الائتمانى وثقة الأسواق والمُستثمرين، وتهالك البنية التحتيّة فضلاً عن تشوُّهاتٍ فى الصرف والمالية العامّة،

كما اتّخذ الدَّيْن العام مسارًا صاعدًا لتغطية الاستهلاك واستخدامات الموازنة الضرورية، من دون نموٍّ ملموسٍ فى المشروعات العامّة والاستثمارات الحكوميّة، وعانت الموازنة نفسها من عجزٍ أوّلى بنسبة 3.5% فى 2014 وعجزٍ إجمالى 12% فى العام السابق عليه.

والآن رغم كل الظروف والمخاطر  المحيطة بنا إقليميا ودوليا تبدو الصورة مُختلفةً تمامًا ، حيث سجّل الاحتياطى مستوى قياسيًّا ،و تراجع التضخّم والبطالة وتحسّن التصنيف الائتمانى قياسًا إلى مستويات 2014 وما قبلها .

نعم كّنّا ننتظر مُؤشِّرات أفضل لولا ضغوط جائحة كورونا وآثار الحرب الأوكرانيّة ومن  بعدها اندلاع الصراع فى غزة ولبنان واخيرا سوريا ومع ذلك عالجت الدولة  قدر الإمكان  تشوّهات الاقتصاد وازدواج سوق الصرف ورفعت جاذبيتها للاستثمار المباشر، كما طوّرت شراكات نوعيّة فى مجالات الصناعة والطاقة وتوطين التكنولوجيا، وتوسّعت فى برامج الصحة والرعاية الاجتماعية وتطوير التعليم، إضافة إلى خططٍ للتمدّد جغرافيا بتوسعة مدى التنمية وزيادة المعمور منسوبًا إلى إجمالى المساحة، وزراعة نحو ٤ ملايين فدان تتجاوز ٤٠ % من ثروة مصر الزراعية طوال تاريخها. إلى ذلك يُمكن رصد قفزات واسعة فى البنية التحتية والمرافق والطرق والمدن الجديدة والمبادرات الصحية وتطوير العشوائيات ونموّ الإنتاج وتحسّن الميزان التجارى وطفرة الصادرات غير البترولية، تُرافقها نجاحات اجتماعيّة فى برامج نوعية مثل “تكافل وكرامة” وحملة “100 مليون صحة” بما تُغطّيه من امتدادٍ جغرافى عريض وعدد مُنتفعين يتجاوز ٦٠ % من المصريين تقريبًا. وفى القلب من كل ذلك يبرز ترميم الدولة لسياستها الخارجية وعلاقاتها، وبناء مسار دبلوماسى نشيط ومَرنٍ يستند إلى تحديدٍ دقيق لدوائر الانتماء والأمن القومى، وبناءٍ نوعىٍّ للقُدرة، وانفتاحٍ واسع على الجميع دون إفراطٍ أو تفريط!
فى الوجه المباشر تُمثّل خريطة التنمية الواسعة، وتمدُّدها أفقيًّا ورأسيًّا على كامل الجغرافيا وفى كلّ القطاعات، تحوّلا عميقًا فى فلسفة الدولة ومُكوّنات النموِّ ورؤيتها لعناصر قُوّتها الشاملة ومدى تكاملها، وكُلّها روافع ثقيلة ساعدت على الخروج من النفق المُظلم، والعبور الآمن بالدولة طوال 11 عاما تدرَّجت فيها الرؤى والتكتيكات من استيعاب الظَّرفِ واشتراطاته، إلى بناء القُدرة وتأهيل الذات، وصولاً لمرحلةٍ من النُضج ربما لم تشهدها الدولة المصرية الحديثة من قبل.
ومن هذا المنطلق يجب علينا جميعا أن نطمئن ولا نقلق على بلد يحفظها الرحمن،  ولم لا وقد قال عز وجل فى كتابه الكريم ” ادخلوا مصر ان شاء آمنين ” ، فقط علينا العمل بجد والالتفاف حول بلدنا قيادة ومؤسسات وطنية ونترك الباقي على الله سبحانه وتعالى وهو كفيل بافشال مخططات أهل الشر وأعوانهم فى الداخل والخارج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.