الدكتور هيثم الطواجني يكتب : الحديد والصلب بين مصر وأمريكا

بسعادة غامرة افتتح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مصنع الحديد والصلب في 27 يوليو 1958، وقال “إن إقامة صناعة الحديد والصلب في بلدنا كانت دائماً الحلم الذي ننظر إليه منذ سنين طويلة، وكنا نعتقد أنه بعيد المنال”، وبعد مرور أربع سنوات ارتفع انتاج المجمع الصناعي الوليد إلى 1.2 مليون طن سنوياً، وعلى مدار عقود لعبت الشركة دور الريادة في المنطقة في مجال إنتاج الحديد ومشتقاته، وأسهمت صناعة الحديد والصلب في تنمية شاملة باعتبارها صناعة مغذية لعدد من الصناعات الأخرى المرتبطة بها في التشييد والبناء والصناعات الثقيلة والخفيفة، وفي يناير 2020 قامت الحكومة المصرية بتصفية شركة الحديد والصلب بعد فشل محاولات كثيرة لوقف نزيف الخسائر التي بلغت مجموعها في 30 يونيو 2019 حوالي 8.5 مليار جنيه، حيث بلغت المديونيات مبلغا مماثلا.
– بينما قامت الحكومة الأمريكية بعرض شركة الفولاذ الأمريكية المعروفة بـ (US Steel) ومقرها في مدينة بيتسبرغ
بولاية بنسلفانيا للبيع، وهي ثاني أكبر شركة الحديد والصلب في الولايات المتحدة، بعد شركة (Nucor) التي تقع
في تشارلوت بولاية كارولينا الشمالية، حيث أبدت عدد من الشركات العالمية الاهتمام بعملية الاستحواذ والشراء،
وفي منتصف ديسمبر 2023 أعلنت شركة نيبون ستيل أكبر منتج للصلب في اليابان، عن خططها للاستحواذ على
الشركة الامريكية في مقابل 14.1 مليار دولار، وسط معارضة اتحاد عمال الصلب الامريكي، وحملة الرئيس المنتخب
ترامب، وإدارة الرئيس بايدن، وفي يناير الجاري منعت إدارة الرئيس بايدن عملية الشراء رسمياً حفاظاً على الأمن
القومي الأمريكي، حيث أُعلن أن قرار بيع صرح الولايات المتحدة لإنتاج الحديد والصلب إلى المستثمرين الأجانب من
شأنه وضع منتجي الصلب الأمريكيين تحت السيطرة الأجنبية، ويؤثر على سلاسل التوريد والإمداد الحيوية.
– وبالنظر في موقف الحكومتين المتباين سنجد أن الحكومة المصرية حاولت ولم تنجح في الاحتفاظ بالمجمع الصناعي
الضخم، ووفقاً لحسابات السوق، وقواعد المكسب والخسارة كان لابد من بيع المجمع، ولكن دون الأخذ في الحسبان
اعتبارات الأمن القومي المصري، واكتفت بشركات الحديد والصلب المملوكة للقطاع الخاص البالغ عددها 14 شركة،
وهي السياسة التي دأبت على اتباعها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة من تصفية لشركات عملاقة
ساهمت وبقوة في الصناعة المصرية كشركة مصر للألبان والأغذية، وشركة النصر لصناعة المراجل البخارية وأوعية
الضغط، وغيرها من الشركات التي كانت خاسرة ومديونة،
وبدلاً من بذل الجهد لإنقاذ هذه الصروح العملاقة بيعت المعدات والأراضي، و صُفيت الشركات، واختفت العلامات
التجارية المميزة، وأضعنا سنوات من العمل الشاق، وبددنا الحلم المصري بتحقيق الاكتفاء الذاتي، ونسيت الأجيال
المعاصرة قيمة وأهمية أن نأكل ما نزرعه، ونرتدي ما تنتجه مصانعنا، ونصنع ما نحتاجه بأيدينا، واصبحنا نستورد أغلب
احتياجاتنا من الخارج، وأهدرنا جزءً مقدراً من أمننا القومي الاقتصادي والاجتماعي، وأصبحنا اليوم نسابق الزمن
لاستعادة مشروعاتنا الصناعية القديمة كما حدث مع شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وشركة النصر
للسيارات، وغيرها، بالإضافة إلي انشاء وتطوير العديد من الصناعات، وفى رأيي أنه لا تكفي جهود الحكومة وحدها
دون أن نعتنق نحن المصريين مبدأ شراء المنتج المصري أولاً، وثانياً بدء التحول لنصبح شعباً منتجاً لا مستهلكاً.