محمد يوسف العزيزي يكتب : المنطقة العربية .. والديمقراطية !

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

مباشرة وبدون مقدمات تمهد لهذا السؤال الصادم.. هل المنطقة العربية مؤهلة لممارسة الديمقراطية في ظل هذا “الموزاييك ” المتشابك من صراع تيارات اسلام سياسي وطوائف وعرقيات وقوميات فارسية وعثمانية ويهودية مع تراجع ملحوظ للقومية العربية؟

سؤال يطرح نفسه بشده في ظل ما يحدث في منطقتنا والإجابة عليه تتطلب قراءة محايدة وموضوعية في عدة عوامل متشابكة تؤثرعلى احتمالية وواقع ممارسة الديمقراطية في المنطقة العربية

منها ما يطلق عليه بالتحديات البنيوية لممارسة الديمقراطية حيث تتميز منطقتنا بتنوع عرقي وديني وثقافي كبير يجعلها ساحة خصبة للتوترات والصراعات. فضلا عن وجود تيارات الإسلام السياسي وبروز صراعات القوميات الفارسية والعثمانية واليهودية مما يضيف أبعادًا معقدة تجعل من الصعب تحقيق حالة إجماع وطني وهو شرط أساسي لاستقرارأي نظام ديمقراطي

ومع بعض التفصيل نري بعض التيارات تتبنى خطابًا يرفض الديمقراطية بوصفها “غربية” أو “غير متوافقة مع الشريعة” مما يخلق انقسامًا بين التيارات العلمانية والإسلامية.. حتى عندما تشارك هذه الحركات في العملية الديمقراطية كما حدث في عدة دول عربية، غالبًا ما تصطدم بمخاوف الهيمنة على السلطة وتحويل الديمقراطية إلى أداة للوصول إليها دون الالتزام بمبادئها

كما نري علي صعيد القوميات في المنطقة فإن الصراع بين الدول ذات النفوذ الإقليمي – إيران وتركيا وإسرائيل – يخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.. وهذه القوى غالبًا ما تتدخل في شؤون الدول العربية لدعم تيارات أو قوى سياسية تخدم مصالحها مما يعوق بناء نظام ديمقراطي مستقل

ونضيف إلي ذلك.. تلك النزعة القبلية أو الطائفية في مناطق كثيرة في مجتمعاتنا العربية التي تجعل الولاء للقبيلة أو

الطائفة يتغلب علي الولاء للدولة، وبالقطع فإن هذا الموروث الثقافي يشكل عقبة أمام بناء ” هوية وطنية جامعة ”

وهي شرط أساسي لإنجاح العملية الديمقراطية التي تتطلب درجة عالية من الوعي المجتمعي بأهمية المصلحة

العامة على حساب المصالح الضيقة وهو ما قد يكون غائبًا في مثل هذه الدول!

ومع ذلك ورغم كل التشوهات في المنطقة.. هل يسمح الغرب بوجود ديمقراطية مصممة بما يتماشي مع واقع

وظروف وتحديات المنطقة وليست ديموقراطية طبقا للنموذج الغربي ويفرط في نفوذه وسيطرته علي المنطقة بما

فيها من ثروة وأهمية استراتيجية؟

الحقيقة التي نعلمها ويتغافل عنها البعض من أصحاب الأجندات الغربية أن الغرب غالبا ما يستخدم خطاب الديمقراطية

وحقوق الإنسان كأداة لتحقيق نفوذه السياسي والاقتصادي في المنطقة ، والتجربة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن

الغرب لا يدعم الديمقراطية في المنطقة إذا كانت تتعارض مع مصالحه الاستراتيجية مثل ضمان تدفق النفط وحماية

أمن إسرائيل أو مواجهة المنافسين الإقليميين كإيران وروسيا والصين

وبما أن الغرب يمارس – دائما – تكتيك سياسي يخضع لحسابات المصالح والنفوذ فإن هذه الحسابات قد تدفع الغرب

للتعامل مع جماعات مصنفة إرهابية إذا كانت تخدم أهدافًا استراتيجية مثل مواجهة خصومه أو خلق بدائل سياسية

مؤقتة يحقق منها مكاسب آنية لذلك فهو لن يتخلى بسهولة عن نفوذه وسيطرته على المنطقة!

الخلاصة.. هل الدولة العربية بعد أن تسترد نفسها قادرة علي بناء نموذج ديمقراطي يتماشي مع خصوصيتها؟ الإجابة

مع بعض التفاؤل.. نعم ولكن بشروط لابد من تحقيقها أولا.. أن تمتلك الإرادة السياسية واستقلالية القرار، وأن تواجه

التحدي الأكبر الذي يكمن في قدرتها علي تحقيق التوازن بين استقلالها وحماية مصالحها من التدخلات الأجنبية دون

أن تفقد بوصلتها نحو الانخراط في نظام عالمي متعدد الأقطاب!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.