عبد الناصر البنا يكتب : من هموم الوطن ـ معضلة التعليم فى مصر !!

خلونا نتفق من البداية إن مفيش حاجة تعصى على مصر ، مصر كانت دايما سباقة فى كل حاجة ، ودايما كان لها بصماتها فى مجالات لا أول لها ولا آخر ومنها ” التعليم ” ، مصر كانت مضرب المثل فى المنطقة المحيطة بنا وتقريبا كان لها الفضل على كل دول الخليج ، وأغلب دول القارة الأفريقية ، كانت ترسل الأطباء والمدرسين وترسل البعثات للخارج ، وفى العصر الحديث إحتلت مكانة متميزة وهذا يشهد له القاصى والدانى .
وخلونا برضه نتفق أننا لثلاثة أو أربعة عقود مضت تراجعنا للوراء فى مجالات عديدة التعليم واحد منها ، وكأننا نصنع العجلة ، وبنظرة متأنية لو نظرنا إلى كل دول العالم التى تقدمت وأخص منها ” الهند ـ أندونيسيا ـ ماليزيا ـ سنغافورة ـ تايوان ـ هونج كوزنج ــ كوريا ” أو مايسمى بالنمور الآسيوية ، وعلى الرغم من أننا كنا سابقين الدول دى كلها ، إلا أنها تقدمت علينا وسبقتنا لا لشىء إلا كونها إهتمت بالتعليم !!
الدول دى إستقدمت مناهج من الخارج وطوعتها بما نسميه نحن بلغتنا ” التمصير ” ، وقدامنا دولة زى ” ماليزيا ” تجربة مهاتير محمد فى ماليزيا تدرس سواء فى التعليم أو الإقتصاد ، والتجارب دى موجودة ومتاحة للإطلاع عليها ، والدول دى إحنا لينا علاقات قوية معها ، ونقدر نستفيد من تجاربها ودا شىء محمود فى السياسة الخارجية ، ناهيك من أن هذه الدول دول مؤسسات . الدولة منها تضع الاستراتيجية العامة ويأتى من يأتى ويذهب من يذهب لكن الاستراتيجية ثابته وواضحة وفق جدول زمنى محدد لا دخل لها بزيد أو عبيد أو ألدو أو شاهين !!
على أرض الواقع ومن الناحية السيكولوجية تجدنا مجتمع ضد التطوير على طول الخط ، وبالمناسبة هذا الأمر لا يشكل عندى مشكلة لو كان التطوير مدروس دراسة مستفيضة .. إلخ ، إنما إسلوب الصدمات المتبع فى إتخاذ القرارات هو المشكلة ، قراراتنا دايما تشعرك أنها بتتاخد ” حادى .. بادى ” وأهى ياصابت .. يا إتنين عور ، مفيش دولة بتعمل كدة نجرب فنفشل فنعيد الفشل مرة تانية ، وممكن تالته ورابعة .. مفيش مشكلة !!
حتى تعليمنا الجامعى فيه مشكلة كبيرة ، إحنا بنتوسع فى الجامعات الحكوميه والخاصة والأهلية والدولية وكل جامعات الثلاثة حروف ، وبنخرج أعداد مهولة يضافوا إلى أعداد العاطلين ، ولا حاجة لسوق العمل لهم ، وحتى لما الرئيس شدد على ضروره الإهتمام بتعليم البرمجة والذكاء الاصطناعى وعلوم البيانات خرجت الأقلام لتنتقد لا لشىء إلا للنقد ، قصدت أن أقول أنه لايوجد رؤية فى ما يخص ربط التعليم الجامعى بمتطلبات سوق العمل ، وحتى لا ندفن رؤوسنا فى التراب أو نضع العربة أمام الحصان لابد أن نفكر بطريقة مختلفة .
والبداية لابد أن يكون هناك ” مشروع قومى للتعليم ” يجيب على الـ 5 W أو الأسئلة الخمسة إياها ( ماذا ــ من ــ
متى ــ أين ــ لماذا ) حتى يكون لدينا جميع المعلومات المطلوبة ، ولايخفى على أحد أن مصر قادرة على مثل هذا .
مصر فيها عقول جبارة وفيها جهابزة ، ولكن المحزن أنها لا تجد فرصتها ، أو لا يستمع إليها أحد ، ومصيبتنا أننا نعمل
فى ” جزر منعزلة ” ، وحتى إن وجدت إنسان طموح ولدية أفكار هناك ألف من يهاجمه ويكيل له الإتهامات أو يحبطه
بالروتين واللوائح العقيمة ودى حاجات لا تخفى على أحد والكلام فيها لا طائل منه !!
أنا كنت من أشد المتحمسين لفكر د. طارق شوقى وزير التعليم الأسبق فى تطوير منظومة التعليم فى مصر ، لكن
العقبات التى إصطدم بها الرجل كانت كفيلة بأن تحبطه ، ويكفى مافيا الدروس الخصوصية والكتب الخارجية ، وما
خفى كان أعظم . ويتم الإطاحة بالدكتور طارق ويأتى الدكتور رضا حجازى خلفا له وبنظرية ” إنسف حمامك القديم ” ،
ضاعت كل جهود سابقه ، وخرج علينا بإقتراح ما سبقه إليه أحد وهو تقنين أوضاع “سناتر” الدروس الخصوصية وفرض
رسوم عليها ، والضحية من كل هذا العبث ولى الأمر ” طافح الكوته ” من جانب ، والدولة على الجانب الآخر ، ماهو
برضه “التابلت” كلفنا شىء وشويات بخلاف المتربحين من وراه ،
كل مافات كوم ومرار “الثانوية العامة” لوحده كوم تانى بعبع أولياء الأمور وسبب تعاسة الأسر المصرية ، تخيل لما
يبقى مستقبل إبنك أو بنتك رهن مجموع سنة واحدة هى ــ تالتة ثانوى ــ ناهيك من أن السنوات الثلاثة الأخيرة
أظهرت أن لدينا ” جهابزة ” ولكن ليس فى العلم ، وإنما فى إبتكار زراعة” سماعات بلوتوث ” فى الأذن للغش وشفنا
لجان الـ 97و 98 و99 % ، وطبعا الدولة لا حول لها ولا قوة دا غير ” شاومينج ” وتسريب الإمتحانات .. والله مرار طافح .
وحتى لاتكون النظرة سوداء على طول الخط لابد أن أشيد بتجربة الدولة فى التعليم الفنى والتكنولوجى ، والحقيقة
أننا قطعنا فيها شوطا كبيرا منذ أيام مدارس ” مبارك كول ” وتوسعت الدولة مؤخرا من أجل تلبية متطلبات سوق
العمل ،
ولقد لمست بنفسى التطور الى وصلت إليه هذه المدارس وخريجيها ممن لا يقل مستواهم العلمى عن مثيلهم فى
أى دولة من دول العالم المتقدمة ، بل أن الفرصة متاحة أمام الطالب لتكملة دراستة الجامعية أو الدراسات العليا ،
وكذلك البعثات والسفر للخارج من أجل سد حاجه سوق العمل المحلى وأيضا لأسواق الخارج . وتبقى المعضله وهى
تغيير نظرة المجتمع للتعليم الفنى ودايما أقول : لو جاء لبنتك شاب حاصل على دبلوم وراتبه الشهرى 100 ألف جنيه
هل تقبل أن تزوجه إبنتك ؟ هذه هى المعضلة !!
المعضله فى تغيير النظرة للتعليم الفنى ، ولقد سعدت وإستمتعت بحلقات برنامج ” خطوة لبكرة ” الذى يذاع عبر أثير
إذاعة البرنامج العام من إعداد وتقديم هاله سالم ، وفيه تتناول قضية التعليم الفنى والتكنولوجى من كافة الزوايا بما
فيها تغيير نظرة المجتمع له ، وأيضا التركيز على التقدم الذى وصل إليه هذا النوع من التعليم ومستوى الخريجين ،
وأأمل أن تقف الدولة إلى جانب هذه البرامج وتدعمها ، لأنى أرى فى هذا النوع من التعليم المخرج لمعضلة متطلبات
سوق العمل وبناء مصر الجديدة .
أما تصريحات الدكتور محمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم الجديد الذى كثر الكلام وقل عند إختياره لتولى الوزارة ،
فى ما يخص ” شهادة البكالوريا ” فهى ليست عودة إلى الوراء كما يرى البعض ، هى الثانوية الفرنسية التى يتم
تدريسها فى دول كثيرة . ولكن المهم عندى أن يكون قرار تطبيق البكالوريا المصرية بديل الثانوية العامة الذى سوف
يطبق على طلاب الصف الأول الثانوى المقبل 2026 / 2025 قرار مدروس من كل الجوانب ، ولايكون الأمر مجرد تجربة
، خاصة وأن أولياء الأمور لا عندهم صبر ولا طهقان لتحمل الفشل والتخبط من جديد ..
حفظ الله مصر ودمتم فى أمان الله .