منذ اندلعت أحداث الربيع العربي – كما تم تسميتها – في منطقتنا العربية ونحن ندفع أثمانا باهظة لجمع ما تفكك وتبعثر من دولها التي خرجت ولم تعد حتي اليوم، ولعل قراءة النتائج التي تمخضت عن هذه الأحداث التي بدأت في يناير 2011 وحتي الساعة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل أو التدليس – علي كل شعوب المنطقة – بأنها كانت كلها في صالح الكيان الصهيوني ، وأن التسمية الحقيقية لها هي ” ثورات الربيع العبري بامتياز “
يدرك الكيان الصهيوني كما ندرك نحن أنه يعيش في محيط مملوء بالكراهية تجاهه لأنه اغتصب أرضا ليست من حقه وأقام عليها كيان لا يرقي للمفهوم السياسي والجغرافي للدولة، فهو لم يرسم حدوده ولم يستقر عليها أملا في التوسع الذي يستهدفه علي حساب دول الجوار
وبالنظر إلى تداعيات هذه الثورات على المستوى الإقليمي.. فقد أدت تلك التحركات التي بدأت بطموحات شعوب
المنطقة لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية إلى خلق حالة من الفوضى والاضطراب في العديد من الدول العربية..
هذه الفوضى بشكل مباشر أو غير مباشر ساهمت في إضعاف الدول المحيطة وتقويض قدراتها السياسية
والعسكرية مما جعل البيئة الإقليمية أكثر ملاءمة لمصالح الدولة العبرية لتحقق هدفها في العيش في الطوق النظيف
حيث لا جيوش ولا قدرات عسكرية تهددها أو حتي مجرد التلويح بالتهديد
لعل أبرز النتائج التي تشير إلى ارتباط هذه الأحداث بمصلحة الكيان هي انهيار مؤسسات الدولة الوطنية في دول
محورية مثل ليبيا واليمن وأخيرا سوريا.. وتآكل قوة الجيوش الوطنية التي كانت تمثل تهديدًا محتملًا للكيان ، وبالإضافة
إلي ذلك خلقت الفوضي حالة استقطاب طائفي وصراعات داخلية صرفت اهتمام الشعوب والأنظمة العربية بعيدًا عن
القضية الفلسطينية وهو ما منح الكيان مساحة أكبر للتحرك بحرية في سياساته الإقليمية غير المشروعة
من جهة أخرى لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته القوى الإقليمية والدولية في هذه التحولات المباشرة للفوضي التي
ضربت المنطقة حيث استغلت بعض الأطراف – سواء كانت جماعات أو أجهزة استخبارات أو دول – حالة الغليان
الشعبي لتحقيق أجنداتها الخاصة التي كانت من أولوياتها تقليص القدرات العربية على مواجهة تحديات الكيان
الصهيوني التوسعية !
هذه الفوضي لم تكن بعضها مدفوعة بمؤامرة واضحة لكنها عظمت بشكل أو بآخر من التداعيات السلبية للربيع
العبري وما زالت !
ومع ذلك ومن المهم الإشارة إلى أن هذه التداعيات السلبية لا تقلل من دوافع الشعوب التي خرجت تطالب بالحرية
والعدالة وهي مطالب مشروعة غابت عنها القيادة المنظمة والوعي السياسي الذي يمنع انزلاقها إلى الفوضى ..
لكنها انزلقت وتحولت إلي هدف سهل يمكن السيطرة عليه بالتدخلات الأجنبية بمختلف أشكالها الرسمية وغير
الرسمية وتوجيه الأحداث وتوظيفها سياسيا مما حول مسارها وجعل نتائجها تصب في صالح قوى إقليمية ودولية
وبالقطع علي رأسهم الكيان الصهيوني !
الخلاصة.. يمكن وصف ما حدث بأنه استثمار في الفوضى استفاد منه الكيان ومعه قوي إقليمية ودولية لمنطقة هي
الأهم في العالم من حيث الجغرافيا والثروة ومصادر الطاقة
ومع ذلك.. يبقى السؤال مفتوحًا حول إمكانية استعادة الشعوب العربية زمام المبادرة لإعادة بناء دولها ومواجهة
التحديات الإقليمية بشكل أكثر وعيًا وتنظيمًا وقراءة صحيحة لمفاهيم القوة والقدرة والدولة الوطنية .. فهل تمتلك الزمام ؟!