الشاعر محمد الشرقاوي رائد أدب الأطفال في العصر الحديث

بقلم الناقدالدكتور صلاح عدس

الدكتور صلاح عدس

استطاع الشاعر والأديب محمد الشرقاوي أن يسجل اسمه بحروف من نور في أدب الأطفال بجوار عظماء هذا اللون الأدبي امثال كامل كيلاني وأحمد نجيب وعبد التواب يوسف ، وقد برع الشرقاوي في كتابة القصة القصيرة والقصيدة الشعرية معا وتلك شهادة أدلى بها عظماء النقد في جامعة الأزهر ومختلف الجامعات المصرية والعربية من خلال كتب مطبوعة ودراسات نقدية منشورة في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية

ومن هؤلاء د عاطف عبداللطيف السيد ، د صبري فوزي أبو حسين ، د بسيم عبدالعظيم ، د رمزي حجازي ، ، د محمد مخلوف ، د شعبان عبدالحكيم وغيرهم ، وقد تناول أعماله عدد من الباحثين لنيل درجة الماجستير والدكتوراه في مصر وخارجها ،

الشاعر محمد الشرقاوي

وقد امتلك الشرقاوي من القدرات الإبداعية ما يؤهله لأن يكون رائد أدب الأطفال في العصر الحديث بكل جدارة فهو يعرف جيدا ماذا يكتب ولمن يكتب وماذا يريد من كتاباته ، ومن خلال الغوص في أعماله التي سنقوم بمناقشتها ندرك أنه شاعر من كبار شعراء عصره بل وشعراء العربية بصفة عامة على مدار العصور .

ويتميز أسلوب الشرقاوي بالعذوبة والجاذبية والتشويق في السرد ، والبراعة في الحوار ، وفي رسم الشخصيات التي يختارها بحيث تكون إيجابية مكافحة مدافعة عن القيم الإسلامية،

وهي قيم إنسانية عامة مثل الحق والعدل والخير والجمال والسلام ، ونجده حين يعرض شخصيات سلبية فإنه لا يتناولها بالتحبيذ والإعجاب ، وإنما يتناولها بالنقد اللاذع كي لا ينبهر بها القارئ ولا يقلدها ، وإنما يتجنبها بازدراء ، وهذا هو جوهر الدعوة الأخلاقية الدينية ،

وذلك بعكس ما نجده في قصص الآخرين من إفساد لعقول الصغار بتزببن الشرور والمفاسد والقيم المغلوطة خاصة في أفلام السينما ومسلسلات التليفزيون عن المخدرات والجنس والبلطجة. فالقصص عنده نجد أبطالها شخصيات من الصغار والناشئة ، وذلك ليتحقق التقمص للأطفال والقراء عامة ، والتقمص مرحلة نفسية أبعد من التعاطف وأعمق ، لأن التعاطف هو شعور ( مع ) ،

أما التقمص فهو شعور ( في ) (١) والقصة القصيرة تصور حدثاً أو شخصية أو فكرة ، وقد أجاد أديبنا في كل هذا. فالحدث عنده يتميز بالتكثيف والتركيز ، ويصور موقفا أو لحظة نفسية ، ويعمقها لأن القصة القصيرة ليست قصيرة لقلة عدد كلماتها ،

وإنما هي قصيرة لصغر الحدث الذي تصوره وقلته في الزمن ، بينما الرواية تصور حدثاً طويلاً ممتداً في الزمن ، وتشبه في ذلك النهر الممتد من المنبع إلى المجرى حتى المصب ، أي أنها تمتد امتداداً أفقياً ، بينما الحدث في القصة القصيرة يمتد رأسياً ، أي يتعمق إلى أسفل فيما يشبه الدوامة ( ٢ ) ،

وهذا المفهوم الدرامي نجده يتحقق عند كاتبنا الذي يتميز الحدث في قصصه بالترابط الزمني والترابط المنطقي من البداية إلى الوسط حتى النهاية ، وذلك كي يكون دخوله إلى عقلية الطفل ، وعقلية الكبار دخولاً سلساً ، وهو بعكس من يكتبون قصصاً فيها غموض وألغاز وتداخل في الأزمنة مما يسبب تفككاً منطقياَ ، وهذا ما لم يقع فيه كاتبنا محمد الشرقاوي الذي يتميز بالبساطة في أسلوبه اللغوي

والقصة تتكون من حدث تقوم به شخصيات من خلال نسيج فني هو السرد والوصف والحوار ، بينما النسيج الفني في المسرحية يعتمد على الحوار فقط . ويحمد لكاتبنا أنه احتفظ في النسيج الفني لقصصه باللغة الفصحى حتى في الحوار ،

ففي ذلك محافظة على لغة الأمة التي هدمها غيره من الكتاب الذين يروجون للحداثة والبنيوية وتقليد موضة الغرب ، لكن كاتبنا لم يقع في هذه الهوة التي يقلدون فيها طريقة ( تيار الوعي ) عند جيمس جويس أو طريقة ( اللارواية ) عند آلان روب جرييه وناتالي ساروت ( ٣ )  وغير ذلك من التقاليع التي ترفضها طبيعة اللغة العربية وفلسفتها التي تتطلب في الكلام قدراً من المنطق ، وقدراً من الوضوح خاصة إذا كان الكاتب صاحب رسالة ورؤية إسلامية هادفة للدعوة إلى القيم الأخلاقية الدينية ،

فمثلاً في ص ١٥ من الجزء الاول من مجموعته القصصية ( خطوة لبكرة ) نجده يدافع عن قيمة الجمال في قصة عنوانها ( الأزهار الضاحكة ) ، إذ يصور لنا صبية يلعبون بالزهور يقطفونها ويرمونها على الأرض ، فأحضر لهم بطل القصة كرة ليتلهوا باللعب بها ، ثم نصحهم في رفق وأدب ولين كي لا يعبثوا بالزهور فاستجابوا له في حبور وسرور .

ونجده في نفس المجموعة أيضا : قصة ( خيال واسع )  ص ٢١ حيث يصور لنا صبياً عبقرياً صاحب خيال علمي ويشجعه والده ، وفي قصة ( حراس الوطن ) ص ٢٧ نراه يصور لنا أمجاد حرب أكتوبر ليحقق الانتماء للوطن كقيمة ، ونجده ينقد سلبيات المجتمع مثل نقده لسوء استخدام الكمبيوتر بحيث يشغل الفرد عن العمل وجدية الحياة كما ورد في قصة ( اللعبة الشقية ) ص ٤١ .

ومن أمثلة ذلك أيضا قصته ( هذا ملكي ) ص ٦٣ ، حيث يصور الشغب والاستهتار الذي يقوم به بعض الصبية في القطار ، إذ يتبادلون الكلمات الجارحة معتبرين ذلك نوعا من المزاح ، ويرفعون أصواتهم في ضجيج مزعج ، ويعطلون الأبواب عند فتحها وغلقها في المحطات ، لكن البطل يوجههم لخطئهم محاولا تعويدهم على الانتماء لبلدهم بقولهم : ( هذا ملكي ) ليحافظوا على أي شيء يندفعون لتخريبه ، فإن حب الوطن من الإيمان .

وفي الجزء الثاني لهذه المجموعة القصصية نجده يواصل غرس القيم النبيلة من خلال مجموعة عناوين منتقاة تحمل أهدافا تربوية وتعليمية وسلوكية رائدة منها ( قيادات واعدة ) في ص ١٧ والتي يدرك أبطالها من النشء أن الشخص المناسب لابد أن يكون في المكان المناسب وذلك حين يتنازل أحدهم عن رئاسة اللجنة العلمية لزميله الأجدر منه بذلك كما تناول موضوعات مهمة جدا مثل ( عمل جماعي  ) ص ٢٥ ، ( المنزل المثالي ) ص ٣٦ ، ( أرض الكنوز ) ص ٤٠

وهكذا نجد أن الرؤية الإسلامية موجودة في أعمال محمد الشرقاوي حتى في الموضوعات الاجتماعية المأخوذة من الواقع ، وهنا تظهر أهمية قصصه وشعره ، وأهمية دور الأديب في توجيه المجتمع والسمو بأبنائه روحياً وعقلياً خاصة إذا كانت أعماله يتلقاها الأطفال ، فهنا تكون الرسالة الهادفة للأدب أكثر وجوباً ، ونكون أكثر حاجة إليها لا سيما وأننا نتعرض كبارا وصغارا لأفلام وتمثيليات هابطة أو مترجمة لا تتلاءم مع مجتمعاتنا ، لأنها تعبر عن مجتمعات غربية مادية يسودها الجنس والعنف والانحلال الأخلاقي مما يفسد أخلاق الكبار والصغار ويلوث أرواحهم ، ويقضي على الانتماء في داخلهم ، ويهدم البراءة في نفوسهم .

وكثيرون ممن يكتبون للأطفال في بلادنا يسرقون أعمال الكاتب العالمي للأطفال ( أندرسون ) وغيره وهي أعمال متغربة بلا رسالة أو هدف يتناسب معنا .

لذلك ندعوهم إلى الكف عن هذا العبث ، لأنه هدم لثقافة الأمة ، وليتعلموا من كامل الكيلاني ومحمد الشرقاوي معنى الالتزام ، ومعنى الرؤية الإسلامية ، والمحافظة على الأمة بالمحافظة على اللغة العربية والقيم الدينية ، خاصة فيما يقدم للطفل من شعر أو قصة حتى يتحقق له الانتماء ويكون مواطناً صالحاً ،

وهذا ما نجح فيه كاتبنا سواء في سلسلة مجموعته القصصية ( خطوة لبكرة ) ، أو في دواوينه الشعرية مثل ديوان خيوط الشمس ، وديوان حكايات المساء ، وديوان زهور الأمل ، وديوان بستان الأنغام وديوان أحلام العصافير ، ويطلق عليها شاعرنا اسم أناشيد للأجيال الصاعدة ،

لذلك نرجو من وزارة التربية والتعليم تدريس هذه الأشعار في المناهج المدرسية بعد أن أقرتها بمكتبات المدارس الابتدائية والإعدادية بكل محافظات مصر ،

ونرجو من التليفزيون تحويل قصصه إلى أعمال درامية للصغار والكبار ، لأنها دعوة للقيم النبيلة بغير مواعظ مباشرة ، أو تقريرية منفرة . وإنما نجد في قصائده التعبير بالصورة ، وهي جوهر الشعر ، فنجد ذلك مثلا في قصيدة ( ذكرياتٌ جميلةٌ ) من ديوانه ( أحلام العصافير ) ص ١٦ :

عاشت في بستاني شجرةْ

صُبحًا تضحكُ منها ثمرةْ

أذهبُ كي أُعطيها ماءً

حتى تبقى دهرًا نَضِرةْ

حول الثمرةِ عاش رِفاقْ

بعضُ غصونٍ بالأوراقْ

تُهدي الخيرَ مع الإشراقْ

تحيا العمرَ هُنا مُنتصِرةْ

عاشت في بستاني شجرةْ

تمنَحُ كُلَّ الناسِ الثمرةْ

وكذلك قوله في قصيدة قال جدي ، من ديوان ( حكايات المساء ) ص ٦ :

قال جدي ذات يومٍ

خُذ سلاحَ العزمِ صاحبْ

واجعلْ الأحلامَ طيراً

طائراً فوق الكواكبْ

وقوله أيضا في ديوان ( حكايات المساء ) في قصيدة ( سر النجاح ) ص ١٤:

من عاش ينظرُ للعلا

لم يخشَ من قممِ الجبلْ

ونجد في كل أعماله من حيث المضمون تجسيداً للرؤية الإسلامية في تمجيد شاعرنا للقيم الأخلاقية العالية ، وذماً للأخلاق السيئة لا تزيينها مثلما في قوله في قصيدة ( أبي في العيد ) من ديوانه ( حكايات المساء ) ص ٨ :

ولم أحسدْ ولم أطمعْ

إذا ما العيشُ أشقاني

ونجد في قصيدته ( رسالة في الهاتف المحمول ) ص ١٨ من نفس الديوان أنها تحمل رسالة إلى العالم هي دعوة للسلام العالمي كقيمة إسلامية ينشرها الإنسان في كل مكان .

ونجد في قصيدته ( نصيحة أستاذتي ) ص ٢٠ تمجيداً للتفوق العلمي كقيمة ، كما نجد في الديوان نفسه تمجيداً لقيم العدل والحق والحرية والخير والمحبة والسلام ، بل إن هذه القيم هي الدعوة العامة في كل أشعاره وقصصه .

ومن ديوانه ( بستان الأنغام ) نقرأ هذين البيتين الرائعين اللذين يحققان قيمة العمل وبذل الجهد وتحقيق العزة والقوة كما أمرنا الأسلام ، من قصيدة ( أرض الريف ) ص ٣٣ يقول :

صان جدودي أرضَ الريفْ

كان العقلُ هناك حصيفْ

لا ينتظرُ قدومَ رغيفْ

مِن خارجِ أرضِ الأجدادْ

كذلك نعود لديوانه ( حكايات المساء ) : ففي قصيدة ( بلاد العدل ) ص ٢٢ إذ يقول :

بلادُ العدلِ لا تخشى

سوى ربٍّ هو القادرْ

ففيها الشعبُ ذو فكرٍ

إلى قصدِ العلا سائرْ

وفيها الأرضُ لا تعطي

إلى لاهٍ إلى جائر

بلادُ العدلِ أمنيتي

ولي حُلمٌ بدا عابر

ولذلك نجد شاعرنا يقدم لنا شخصيات إيجابية ، ويشجعها ويمجدها تمجيداً للكفاح والصبر والعمل والصدق والأمانة والشرف والشهامة مثلما فعل في قصيدته ( الطفل الأمين ) ص ٢٤ ، وفيها يستعمل وسائل درامية هي السرد القصصي والحوار ،

وتكرر ذلك في البناء الدرامي لكثير من قصائده ، وفي هذه القصيدة يصور لنا صبياً رأى مالاً على الأرض ، فقام برده للمسؤول ، فأعلن عنها حتى جاء أصحاب المال فاستردوه ، وهو بذلك يجسد الرؤية الإسلامية في حكم الشرع في ( اللُّقَطَة ) ، ونجده يدافع عن قيمة الحرية في قصيدته ( عيون الخوف ) ص ٢٦ من ديوان ( حكايات المساء ) إذ يقول :

عيونُ الخوفِ لا تُبصرْ

سوى وهمٍ بها يَغدرْ

تعيشُ العمرَ في صمتٍ

ولا تُبدي ولا تَجهرْ

عيونُ الخوفِ لا تعلو

ولا تبني لأمجادِ

ترى ضيقاً على أرضٍ

وإن كانت هي الوادي

ويحرص كذلك شاعرنا الشرقاوي على تغذية عقل النشء بالمعلومات المهمة التي تزيده وعيا وإدراكا وانتماء ، فنجده يقول في قصيدة ( تلك بلادي ) ص ١٣ من ديوانه ( أحلام العصافير ) :

مِصرُ بلادي قلبُ العالمْ

وهي تُطِلُّ على بحرين

شَرقًا سار البحرُ الأحمرْ

يَقْسِمُ أرضَ العربِ اثنين

نصفٌ يسكنُ قارةَ أسيا

أمَّا الآخَرُ في إفريقيا

أرضُ العَربِ بخيرٍ تحيا

تلك شهادةُ ذي عينين

مِصرُ بِلادي قلبُ العالمْ

وهي تُطِلُّ على بحرين

ونجده مثلما يدعو لصحة الأخلاق والدين يدعو في قصيدته ( طبيب الحي ) ص ٢٨ من ديوان ( حكايات المساء ) لصحة الأبدان ( إن لبدنك عليك حقاً ) ، ويهتم شاعرنا بتصوير العواطف البناءة والمشاعر الإنسانية النبيلة الإيجابية مثل عاطفة الأبوة الحانية في قصيدته ( إلى ابني الصغير مؤمن ) من نفس الديوان ، ص ٣٦.

ونجده يمجد قيمة العلم والمعرفة والثقافة تطبيقاً لدعوته سبحانه وتعالى في سورة ( اقرأ ) إذ يقول شاعرنا في قصيدته ( كتابي ) ديوان ( حكايات المساء ، ص ٣٨ :

يا كتابي يا كتابي

أنتَ لي خيرُ الصحابِ

أنتَ زادٌ في حياتي

في ذهابي في إيابي

يا كتابي أنت شمسٌ

أنتَ نحو المجدِ بابي

يا صديقي خذ طريقي

ناظراً نحو السحابِ

فهنا تعبير بالصورة ، وإن كان شاعرنا يلجأ أيضاً للتعبير المباشر في بعض الأحيان إلا أن تبرير ذلك هو طبيعة تلك القصائد التي تميل إلى الكلاسيكية ، والتي تتسم بالتعبير المباشر لتهز العقول ،

بينما الاتجاه الرومانسي يتسم بالتعبير بالصورة لتهز القلوب أكثر، لذلك نجدها لا تحدثنا إلا عن الحب والعواطف الذاتية بينما شعراء الكلاسيكية يحدثوننا عن الموضوعات العامة التي تهم وتشغل الوجدان الجماعي ، لذلك يسمونها شعر المناسبات الاجتماعية والوطنية والقومية ،

وما أحوجنا إليها الآن ! لتحريك الناس وتثويرهم ضد الهجمة الصهيونية الأمريكية وضد موجات التغريب والتخريب التي يقوم بها في الداخل دعاة العلمانية والماركسية لهدم الهوية ، وقيم الأمة الأخلاقية والدينية . فما أحوجنا الآن لهذه الكلاسيكية! لا الرومانسية الحالمة المغيبة،

فما أشبه حالنا الآن بفترة مطلع القرن العشرين ! حيث كان الاحتلال البريطاني وحيث كان دعاة العلمانية والإلحاد الأوائل أمثال ( شبلي شميل )، وإسماعيل أدهم في كتابه ( لماذا أنا ملحد!؟ )، وسلامة موسى في كتابه ( هؤلاء علموني ) ، وطه حسين في كتابه ( عن الشعر الجاهلي ) .

أجل ما أحوجنا الآن إلى شعراء على طريقة شوقي وحافظ الكلاسيكية ! التي كان يردد الناس أشعارهم ، بينما انفضوا الآن عن الشعر بفضل الشعارير كتبة ما يسمونه ( قصيدة النثر ) ، والتي دقوا بها آخر مسمار في نعش الشعر العربي ، حيث هدموه بهدم موسيقاه . وما أحوجنا الآن لإحياء الشعر في حركة إحيائية ! أي كلاسيكية جديدة كالتي نجدها في شعر محمد الشرقاوي وزملائه من شعراء جامعة الأزهر ، ورابطة الأدب الإسلامي المتمسكين بعمود الشعر العربي لإقامته وإقامة الأمة بإحياء قيمها ، وبذلك يتكامل الشكل والمضمون مثلما نجد في كل أعمال شاعرنا .

ولنستمع إليه في قصيدته ( الطفل المخترع ) ديوان حكايات المساء ، ص ٤٨ حيث يمجد العلم كقيمة ، ويروج للعمل والعلم لا الترويج للهو والسلبية ، وانتظار الذي لا يجيء ( ٤ ) ، أو الترويج للفاحشة والانحلال ، فيصور لنا شخصيات إيجابية ، وهي هنا لتشجيع الطفل المصري على التفوق العلمي والاختراع والكشف والبحث والاطلاع، ويتكرر ذلك في كثير من قصائده مثل قصيدة ( إن رأيت ) ص ٤٤ من نفس الديوان  :

إن رأيت الخير يحيا

بين أحضان المزارعْ

إن سمعتَ العزمَ يشدو

عند أنغامِ المصانعْ

قل بفخرٍ مصرُ عادت

نورُها للكونِ ساطعْ

ومن القيم الرفيعة التي يغرسها الشرقاوي في عقول وقلوب النشء قيمة المودة والتعاون مع الجيران فنقرأ له من قصيدة ( حكمة جاري ) من ديوانه ( بستان الأنغام ) ص ٥٧ :

يحكي جدي حكمة جارْ

عند مساء عند نهارْ

ينطقُ حبًّا

يملكُ قلبًا

بات حنونًا كالأطيار

يسألُ عن سكانِ الشارعْ

يعرفُ عن كلِّ الأجيالْ

عند النصحِ حكيمٌ بارعْ

يزرعُ في الطرقاتِ أمالْ

هذا جاري

يعرفُ جاري

هذا حقا نعم الجار

كذلك ينادي شاعرنا بأهمية بر الوالدين ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) ( سورة الأحقاف : ١٥ ) إذ يقول في ديوانه ( حكايات المساء ) في قصيدة ( طاعة الوالدين ) ص ٤٦ :

طاعة الآباءِ فرضٌ

قاله الشرعُ الحكيمْ

من رعاها نال فضلًا

عاش يكسوهُ النعيمْ

في رياضِ الأمنِ يحيا

ما له يوماً خصيمْ

وتتردد هذه النغمة أيضاً في ديوانه ( زهور الأمل ) إذ يقول في قصيدة ( أبي وأمي ) ص ٤ :

أبي زادٌ من الأمنِ

وزادُ الحبِّ في أمِّي

هما كالنورِ في عيني

هما في القلبِ والدمِّ

وحين نتأمل قصائد هذا الديوان ( زهور الأمل ) نجده يعزف على لحن واحد هو قيم الإسلام ، فنجده مثلا في قصيدته ( حكاية قطة ) ص ٦ يصور من خلال السرد القصصي العطف على الحيوان ، والأحاديث في ذلك مشهورة ، منها الحديث الذي ورد في صحيح مسلم عن المرأة التي دخلت النار في قطة حبستها فلا هي أطعمتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ( ٥ ) ، والحديث عن الرجل الذي غفر الله له وشكره حين سقى الكلب العطشان ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( في كل ذات كبد رطبة أجر ) ( ٦ ) .

ويتكرر في نفس الديوان تنويعات على اللحن الأساسي إذ نجد شاعرنا يمجد العلم كقيمة في قصيدته ( العلم ) ص ٨ ، ونجده في قصيدته ( اللغة العربية ) ص ١٠ يدعو إلى الانتماء لله، والدفاع عن الوطن، والاعتزاز بالقومية وباللغة العربية ، وذلك لأنها لغة القرآن الكريم ، والحاملة لدين الله، ولذلك يهدمها دعاة العامية عندما تكون لغة بديلة للفصحى من أمثال ( لويس عوض ) ، ونجد شاعرنا يمجد الحرية في قصيدة ( بلاد الظلم ) ص ١٢ إذ يقول :

بلادُ الظلمِ لا تحيا

وإن طالت مبانيها

فأهلُ الظلمِ كالموتى

وإن أحيَوا نواحيها

ونلمح الدعوة إلى الله في قصائد عديدة مثل قصيدة ( الصلاة ) ص ١٤ ، وقصيدة ( الحج ) ص ٣٨  ، وقصيدة ( الزكاة ) ص ٢٨، وقصيدة ( شهر رمضان ) ص ٣٢

وهذه الأبيات من قصيدة ( الصلاة ) إذ يقول :

ومن صلى فقد أضحى

بنورِ الوجهِ كالبدرِ

وعونُ اللهِ لم يتركْ

لذي الإيمانِ من عسرِ

ويقول في قصيدة ( شهر رمضان ) :

رمضانُ يا نجمَ الشهورْ

يا رحمةَ الربِّ الغفورْ

ضيفٌ كريمٌ ناصحٌ

أدخلتَ في القلبِ السرور

ونجده كذلك في ديوانه ( زهور الأمل ) ، وفي كل دواوينه يمجد الباحث الصغير تمجيداً للعلم كقيمة ، وقصيدته ( زهور الأمل ) ص ١٩ تعطينا الأمل لأن على الشاعر أن يقدم لأمته الأمل حتى في أحلك الظروف التاريخية وأشدها سواداً، وليس ذلك بمثابة زغرودة في مأتم ، وإنما هو بمثابة النبوءة الصادقة التي لم يكن يملكها سوى الأنبياء .

أما الآن فالشعراء الإسلاميون يحاولون تقديم هذه النبوءة لشحذ الهمم ، وتحريك الشعوب الإسلامية من وهدتها وسباتها :

ومن أبيات قصيدة زهور الأمل ص ١٩ نقرأ :

إنما الأحلامُ سعيٌ

طائرٌ مدَّ الجناح

يا زهورَ العمرِ هيَّا

سابقوا تلك الرياحْ

ونجد شاعرنا في قصيدته ( الصديق ) ص ١٨ يمجد القيم الإنسانية كقيمة الصداقة باختيار صديق الخير لا صديق الشر، لأن المرء على دين خليله ، ويدعونا إلى الانتماء لأمتنا العربية والإسلامية مثلما في قصيدته ( فلسطين ) ص ٢٠، وقصيدته ( وطني ) ص ٢٢، وقصيدته ( ثورة ٢٥ يناير ) ص ٣٤ ، وكلها في ديوانه ( زهور الأمل ) ، ويتكرر ذلك في كل إنتاجه الشعري الذي يشكل منظومة واحدة. فليس كل قصيدة في وادٍ بلا رابط ، وإنما يجمعها وحدة هي وحدة الهدف والرؤية ، ومن أمثلة ذلك في ديوانه ( خيوط الشمس ) قصيدة ( مصر ) ص ٤ التي يقول فيها :

مصرُ في عيني وقلبي

مصرُ حازت كلَّ حبي

في سماءِ الكونِ شمسٌ

نورُها في كلِّ دربِ

وكذلك قصائد : الأقصر ص ٦ ، وشواطئ مصر ص ٨ ، وقناة السويس ص ١٠ ، وسيناء ص ١٢، وذكرى نصر أكتوبر ص ١٤ والتي يقول فيها :

قفْ لمصرَ اليومَ واشهدْ

فرحةً في كلِّ وادي

واسمع التاريخَ يحكي

من أحاديثِ الجهادِ

وقصيدته عن عواصم العالم العربي ص ١٨ ، وقصائد : بغداد ص ٢٢، وهنا أرضي ص ٢٤، وحياة الريف ص ٢٦ ، وغيرها الكثير مما يعكس حب شاعرنا لوطنه مصر وحبه لأمته العربية والإسلامية .

ويدعونا الشاعر محمد الشرقاوي إلى جمال الطبيعة والكون ليربط الطفل المصري والعربي بمنظومة الكون التي تعكس عظمة الله في خلقه مثلما في قصيدته ( الزهرة الباكية ) ص ٣٢ من ديوانه خيوط الشمس والتي يدعونا فيها من خلال القصة والحوار كوسائل درامية إلى عدم قطف الزهور تمجيداً لقيمة ( الجمال ) الإنسانية الإسلامية،

إذ يقول :

سرتُ بين الزهرِ يوماً

باشتياقٍ وانبهارِ

إذ رأيت الدمعَ يكسو

زهرةً خلف الجدارِ

قلتُ من أبكى صغيراً

في مساءٍ أو نهارِ

قالت الأولادُ قاموا

بعد لهوٍ في حصاري

كنتُ فوق الغصنِ أحيا

مثل أسماكِ البحارِ

مثلَ أقمارِ الليالي

مثل شمسٍ في المدارِ

زاد ذاك القولُ حزني

زاد عزمي واعتذاري

قلتُ للأصحابِ هيا

نرتجي حسنَ القرارِ

كي نرى كونًا جميلاً

كي نرى خيرَ الثمارِ

وهنا شاعرنا لم يصرح مباشرة بعدم قطف الزهور ، وإنما ترك هذا القرار الحسن للقارئ ، وأوحى إليه به فقط من خلال هذه الصورة ( كى نرى كوناً جميلا ) والتي تدعو لتأمل جمال الكون والمحافظة عليه ، لأنه يعكس الجمال الإلهي ، ولذلك يتكرر في دواوين شاعرنا محمد الشرقاوي الدعوة إلى الله، وتمجيد دينه، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته، مثلما في قصيدته ( نحو ربي ) ص ٣٦ ، وقصيدته ( رسول الله) ص ٣٨ ، وقصائده : أبو بكر ص ٤٠ ، وعمر بن الخطاب ص ٤٢ ، وخالد بن الوليد ص ٤٤، والأزهر ص ٤٦ ، ودعاء ص ٤٨ ، ونعيم الله ص ٥٠ ونعم عظيمة ص ٥٢ ، وكلها من ديوانه ( خيوط الشمس ) ، ولنستمع إلى شاعرنا في مسك الختام من قصيدته ( نعم عظيمة ) إذ يقول :

النورُ في قرآننا

عونٌ لنا في سعينا

الدم في شرياننا

يجري فدا أوطاننا

وهنا يجمع شاعرنا بين الدين والوطن في منظومة واحدة ، وبأسلوب بسيط فما سر هذه البساطة في التعبير !؟ إنها البعد عن ثلاثة أشياء ، أساسها البعد عن الغموض والتعقيد ، وهي الصورة المعقدة كما في التشبيه التمثيلي المعروف في البلاغة العربية والمعروف في رمزية بودلير ومالارميه وفي تعقيدات ( إليوت ) ( ٧ ) ، وفي تعقيدات اللفظ وصعوبته عند أبي تمام والمتنبي ، وهو ما عاب به عليه القاضي الجرجاني في كتابه ( الوساطة ) ( ٨ ) وكذلك الآمدي في كتابه ( الموازنة ) ( ٩ ) ، ولكن الشاعر محمد الشرقاوي ابتعد عن كل هذا ، واستعمل الألفاظ السهلة ، والتشبيه البسيط لا الاستعارة المعقدة ، وبذلك نجح في حل المعادلة الصعبة التي تقتضي في الشعر التعبير بالصورة من ناحية ، كما تقتضي من ناحية أخرى الوضوح للرسالة والبساطة في التعبير لأن فلسفة البلاغة العربية لا تعرف الخيال المطلق ، ولا الرمز المغلق ، وإنما لابد في الكلام من قدر من الوضوح والمنطق ، فالتشبيه لابد فيه من وجه الشبه ، والاستعارة لابد فيها من جامع. وقد نجح الشرقاوي في كل هذا من ناحية الشكل ، كما أنه من ناحية المضمون قدم لنا رؤية إسلامية لذلك نوجه رسالة لوزارة الثقافة لمنح محمد الشرقاوي جائزة الدولة في الأدب بوجه عام و في أدب الأطفال بوجه خاص لأن محمد الشرقاوي كاتب قدير يستحق الدراسة والتقدير .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :

١ – The Meaning of Art, by: Herbert Reed. P:21

٢ – القصة القصيرة ،  د رشاد  رشدي .

٣ – Modern Age, by: Boris Ford P: 32

٤ – في انتظار جودو – مسرحية صمويل بيكيت.

٥ – انظر صحيح مسلم ، ٣٧ كتاب البر والصلة.

٦ – انظر كتاب زاد المعاد ، ابن القيم الجوزية.

٧ – The literature of United States. by: Morcus Conliffe, P: 12

– كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه، تأليف القاضي الجرجاني.

٩ – كتاب الموازنة بين الطائيين، تأليف: أبي الحسن الأمدي.

كما شملت المراجع أيضا أعمال الشاعر الشعرية والقصصية التي ورد ذكرها في الدراسة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.