في عصر السرعة والانفتاح الرقمي أصبحت الشائعات واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات خصوصًا المجتمع المصري حيث تتسلل هذه الشائعات بخبث متخفية في عباءة الأخبار العاجلة والمعلومات المثيرة وتنتشر كالنار في الهشيم لتتسبب في إرباك الرأي العام وزعزعة الاستقرار.
والشائعة هي معلومة غير مؤكدة تنتشر بسرعة بين الأفراد، وغالبًا ما تكون مشوهة أو مغلوطة لتحقيق أهداف تجارية أو تسويقية أو وسيلة للابتزاز المادي أو المعنوي .. أما الشائعات السلبية فتُستخدم كأداة هدامة تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للمجتمع، والتشكيك في المؤسسات الوطنية وتأجيج الصراعات الداخلية.
هذه الشائعات ليست مجرد كلمات عابرة بل هي جزء من حروب الجيلين الرابع والخامس التي تعتمد على أساليب غير تقليدية باستخدام الأدوات التقنية والإعلامية لتوجيه الرأي العام واستغلال نقاط الضعف داخل المجتمع لتقويض الدول من الداخل دون الحاجة إلى المواجهات العسكرية المباشرة
وقد شهدنا العديد من الأمثلة على استخدام الشائعات كسلاح في هذه الحروب الحديثة ، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي .. ففي العديد من الدول تم استخدام الشائعات لتقويض الاستقرار، وتشويه سمعة الحكومات، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما حدث في بعض الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، حيث تم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات والأخبار الزائفة، مما أدى إلى اندلاع ثورات وأزمات سياسية قوضت دول وأفشلتها دون احتلال خارجي
في هذا السياق فأن مصر لم تكن بمنأى عن هذه الحرب الخفية فقد استُهدفت بشائعات تهدف إلى بث الفتنة بين أطياف المجتمع والتأثير على قرارات الأفراد وتشويه الحقائق المتعلقة بالاقتصاد والأمن القومي ومؤسسات الدولة السيادية
وفي وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية تسعى للخروج منها بأقل الأضرار تمثل الشائعات عاملًا مضاعفًا للضغوط والأزمات وتقوم بتشويه الإنجازات والمشروعات القائمة، وتدفع المواطنين لفقدان الثقة في قُدرات الدولة مما يتسبب في تعقيد الوضع الاقتصادي وتذبذب الأسواق وزيادة التوتر بين المستثمرين وهروب الاستثمار الداخلي وعزوف الاستثمار الخارجي عن الدخول للسوق المصري وفقدان الثقة في القرارات الاقتصادية.. ويقوض الجهود المبذولة للنهوض به
ولهذا تعد الشائعات السلبية واحدة من أبرز أسلحة هذه الحرب ومن أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات نظرا لتأثيراتها المدمرة على مختلف جوانب الحياة من إثارة الخوف والشكوك بين المواطنين إلي إثارة الفوضى بين الشعب واستهداف الثقة في المؤسسات الوطنية انتهاء بإضعاف الدولة وإفشالها
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يفرضها التطور التكنولوجي في مواجهة الشائعات، فإن المسؤولية في
التصدي لها تقع على عاتق الجميع.. فالأفراد يلعبون دوراً مهماً من خلال التحقق من المعلومات قبل نشرها والامتناع
عن المساهمة في تداول الأخبار غير المؤكدة
كما أن الأجهزة المعنية تتحمل مسؤولية كبرى في التصدي للشائعات من خلال مراقبة المحتوى الرقمي وتعزيز
الوعي المجتمعي بأخطارها إلى جانب توفير قنوات رسمية لنشر الحقائق بسرعة وشفافية في حينها
إن مواجهة الشائعات السلبية تتطلب تضافر جهود الجميع من أفراد ومؤسسات، لضمان الحفاظ على استقرار
المجتمعات وحماية أمنها واقتصادها. فالشائعة قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في باطنها آثاراً خطيرة تهدد
كل ما تسعى الدول لبنائه ، مما يجعل التصدي لها ضرورة لا تحتمل التأجيل.