عبد الناصر البنا يكتب : هموم وطن .. الإعلام من تانى !!

عندما شرعت فى كتابة هذا المقال تذكرت قوله تعالى على لسان أخوة يوسف لأبيهم نبى الله يعقوب عليه الصلاة والسلام ” قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ” صدق الله العظيم .
والسبب أنى لا أكل ولا أمل من الكتابة فى هذا الموضوع الشائك ، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا ، خاصة وأننا نمر بأزمة حقيقية ، أزمة لها خلفية تاريخية لا أود أن أخوض فيها ، وقد ظهرت عواقبها الوخيمة عقب إلغاء وزارة الإعلام ، وعقب تخلى الدولة عن ” ماسبيرو ” إعلام الشعب وأمن مصر القومى وصمام أمنها وأمانها ،
ولا أدرى ماهو سبب المكابرة والمعاندة وعدم الإعتراف بالخظأ ، طالما أن الرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل ، والعودة إلى “ماسبيرو ” مرة أخرى ، ومنحه قبلة الحياة ، لطالما فشل الاعلام الموازى فشلا ذريعا ، وطالته
أصابع الفساد والرشوة والمحسوبية ؟
وقد يخطى من يظن أن الاعلام المصرى لايمر هذه الأيام بأزمة شديدة ، أزمة الاعلام فى مصر هى أزمة نابعة من
القائمين على أمر الاعلام نفسه ،
مصر اليوم تفتقد لـ ” فن صناعة الاعلام ” ، تفتقد إلى البوصلة التى تدير الاعلام . وأرجو أن لانكون كالنعام التى تدفن
رأسها فى التراب ، لأن التشخيص هو نصف العلاج ، لابد ياسادة يا كرام أن نضع أيدينا على الأزمة ونشخصها
التشخيص السليم ، حتى نفكر فى كيفية وضع الحلول المناسبة لها ونحن على أعتاب الجمهورية الجديدة ، وأعتقد
أن ما أكتب لا يخفى على القيادة السياسية أو أى لبيب فى مصر
ذكرت سابقا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يفوت مناسبة إلا ويعتب فيها على الاعلام ، وأعود لكى أأكد على أن
صناعة الاعلام تعنى حرية تدفق المعلومات ، وتعنى المصداقية والشفافية بعيدا عن التهويل أو التهوين وبعيدا أيضا
عن ” التطبيل ” حتى لانكون مثل الدبة التى قتلت صاحبها ، وبعيدة أيضا عن الحجب والمنع ووضع العراقيل
وأنا عندما أكتب عن الحرية أقصد ” الحرية المسئولة ” لأن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة ، الحرية التى أقصدها هى
التى لاتهدم ثوابت وتراعى إعتبارت الدين والوطن والأخلاق ، وهو ميثاق الشرف الذى لابد وأن يكون نابعا من ضمير
كل من يتصدر للعملية الاعلامية .
مؤخرا أصدر رئيس الهيئه الوطنية للأعلام قرارا أعتقد أنه خطوة على الطريق الصحيح وهو منع إذاعة أو إستضافة
العرافين والمنجمين ومن يروج للجدل والشعوذه وقراءة الطالع وضاربى المندل والحنجل .. إلخ
وحقيقة أنه من المخجل أن نرى إعلامي مثل عمرو أديب وهو يستضيف عرافه توصف بخبيرة “ التاروو أو التاروت ” ،
تُدعى بسنت يوسف ، وتفتح أوراق كوتشينه على الهواء ، وتمارس التنجيم وقراءة الطالع للعام 2025 ، ولا يعلم
الغيب إلا الله ، وكذب المنجمون ولو صدفوا ، أو صدقوا ، ونحن نعلم أن قناة Mbc مصر هى قناة سعودية والسؤال :
هل يمكن أن تذاع هذه الحلقة على القناة الأولى السعودية ؟
قرار آخر ولكنه مثير للجدل إتخذ من قبل رئيس المجلس الأعلى للأعلام بوضع ضوابط على إذاعة البرامج الدينية ، وأن
لاتزيد مدة البرنامج على 30 دقيقة ، القرار منع إذاعة الاعلانات أثناء البرنامج وهذا شىء محمود ، إنما الذى لا أجد له
تفسيرا هو قوله ” يمنع نهائيا المداخلات الهاتفية على الهواء مباشرة ” يامعالى الوزير هى دى الوصاية إللى قلنا
عليها فى سياق حديثنا عن الحرية والمسئولية ،
الوزير السابق حط للموضوع حلول ، وقال : يتم تجهيز وعرض الآراء والاستفسارات والأسئلة بمعرفة فريق إعداد
البرنامج المتضمن أحد المتخصصين بالشأن الدينى بالطريقة المناسبة قبل بثها .
يعنى أفهم من كده كل برنامج دينى هنجيب له علًامة من الأزهر علشان يقول السؤال دا ينفع ولا ماينفعش !! .
إسمح لى يامعالى الوزير جانبك الصواب ، وأنا دايما أقول الاعلام ” حرفة ” إحنا مازلنا نبحث عن الخباز ، إللى حتى لو
أكل العيش كله نبقى مطمنين له ، عاوزين فراوده ، لملمى يا مصر ولادك المعلمين ” المتنتورين ” فى القنوات العربية
، علشان يحطوا ضوابط محترمة لمنظومة الاعلام ، وميثاق شرف يسرى على اعلامك ” العام ــ والخاص ” وعلى
الأقل يرحمنا من الوجوه الكالحة التى يفوق ضررها والله نفعها .
تابعت كما تابع الناس الهجمة الشرسة التى أثيرت على القصور الرئاسية ، فى سياق إستضافة مصر لأعمال قمة
منظمة الدول الثماني الإسلامية للتعاون الاقتصادي D 8 في نسختها الحادية عشرة في العاصمة الإدارية الجديدة ،
وشفنا حالة إنقسام شديد فى الشارع المصرى بين من يرى أننا لسنا فى حاجة إلى عاصمة إدارية جديدة من أصله
، وأن هذه القصور فيها بذخ وترف شديدين لا لزوم له فى دولة أصبحت تئن من أوضاع إقتصادية هى غاية فى الصعوبة
، ومن يرى أن العاصمة الجديدة هى ” عنوان ” الدولة ، وأن هذه رؤية تدار بفكر إستثمارى يحقق ربح وعوائد إقتصادية
للدولة .
وحسما لهذا الجدل العقيم ، أرى أنه حسنا فعل المهندس خالد عباس ، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية
الجديدة ، عندما حسم هذا الجدل وصرح بأن القصر الرئاسي والمباني الحكومية والوزارات جميعها أصول تمتلكها
الشركة ومؤجرة للحكومة بعقد 49 سنة ، وهنا بأتى دور الاعلام الواعى الذى يشرح ويبين ويوضح للمشاهد الأمور
من منظور الدولة ، وليس تبعا للأهواء الشخصية ، وخبث النوايا .
من هنا تأتى خطورة سلاح الاعلام ، مصر حقا تعانى من ” فوضى ” فى مجال الإعلام ، ولابد من ضبط منظومة
الاعلام فى مصر قبل فوات الأوان ، وحتى لا أطيل نحن نريد إعلامنا يتبنى قضايا الدولة يقف إلى جانب الدولة المصرية
فى كل مايتم من إنجازات ، إعلام يبين ويشرح للمواطن حقيقة الأمور والأوضاع التى تمر بها البلاد ، يوضح لهم
التهديدات الداخلية والخارجية .. إلخ
لا إعلاما يطبل ليل نهار ، لقد ولى زمن التطبيل ، فالعالم أصبح قرية صغيرة ، نريد حرية فى الاعلام حرية مسئولة ،
حرية تنتهى عندما تبدأ حريات الآخرين ، حرية تحافظ على ثوابت الوطن ، وثقوا أن الحرية إذا تعلقت بالوطن
فالمسئولية مضاعفة ،
نريد كلمة ورأيا حرا يهدف إلى الحفاظ على الوطن وأمنه وإستقراره ، مطلوب عودة لوزارة الإعلام مع بدء الإعلان عن
الجمهورية الجديدة ، ودائما وأبدا يبدأ الغيث بقطرة ،
وفق الله قادتنا إلى مافيه خير البلاد والعباد ، وحفظ الله مصر من كل سوء ومكروه .