الدكتور هيثم الطواجني يكتب : عيد النصر.. تاريخ متروك

الدكتور هيثم الطواجني

في يوم 26 يوليو 1956 أممت مصر شركة قناة السويس رداً على رفض البنك الدولي تمويل بناء السد العالي، فقامت بريطانيا وفرنسا واسرائيل بالتآمر لغزو مصر، ولكل منها أهداف من هذا العدوان، فإسرائيل تريد مرور سفنها من خليج العقبة بعد أن أغلقته مصر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وتدمير صفقات السلاح الجديدة قبل أن يستوعبها الجيش المصري،

بينما بريطانيا تريد العودة مرة آخري بعد أن أتمت إجلاء قواتها في 18 يونيو 1956، في حين تريد فرنسا أن توقف مصر مساندتها للثورة الجزائرية، على أن بريطانيا وفرنسا اشتركتا في العدوان لاستعادة السيطرة علي قناة السويس كهدف أساسي ومعلن،

وبدأ العدوان بهجوم اسرائيلي مفاجئ علي سيناء وذلك يوم 29 أكتوبر 1956، بالتزامن مع صدور إنذار “فرنسي – بريطاني” لفرض الحماية علي قناة السويس بواسطة قواتهما المشتركة، مع إيقاف القتال وانسحاب الجيوش المتحاربة،

ورفضت مصر الانذار، وقاتلت دفاعاً عن إرادتها، فهاجمت قوات الدولتين منطقة القناة، وصمدت مصر بشعبها وجيشها ولم تلن عزيمتها الفتية، وبالطبع نالت بورسعيد وأهلها النصيب الأكبر من الشجاعة والبسالة، واشتركت جموع المصريين رجالاً ونساءً في تلك الملحمة التي تحولت إلي قصة صمود وتحدي ملهمة لأغلب شعوب العالم آنذاك،

وبعد ضغوط دولية قادها الإتحاد السوفيتي، ثم إنذاراً وجهه إلى الدول المعتدية، أوقف مجلس الأمن التغلغل الإنجليزي الفرنسي، مع قبولهما وقف إطلاق النار بدءً من 7 نوفمبر، ثم وصول قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفي 19 ديسمبر أُنزل العلم البريطاني من على مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد، ثم انسحبت القوات الفرنسية والإنجليزية من بورسعيد في 22 ديسمبر،

وتسلمت السلطات المصرية المدينة الباسلة، واستردت قناة السويس، وتحول التاريخ الي عيد قومي يحتفل به

سنوياً بمدينة بورسعيد، فهي ذكرى انتصار الشعب المصري والإرادة المصرية على قوات العدوان الثلاثي، ودحرهم

على أرض مدينة بورسعيد، وفي يوم 23 ديسمبر 1957 بدأ الاحتفال بعيد النصر كعيد قومي لمصر كلها، وحتي عام

1967، ثم تحول إلى عيد قومي لمحافظة بورسعيد وحدها، وقاصراً عليها.

تاريخ لن تنساه مصر، ولكننا لم نعد نحتفل به، ولعلني أتسأل من سيحيي هذا التاريخ إن لم نكن نحن؟ وإذا لم

نحكي قصصنا وبطولاتنا فمن سيرويها؟ وكيف سيقصها؟ ما دمنا نحن أصحابها تغافلنا عنها، الا تستحق تلك الملحمة

التي وصفها الرئيس الراحل عبد الناصر: بورسعيد تمثل طليعة المعركة ومصر كلها كانت تحت السلاح،

وقال عنها الرئيس الراحل السادات: أنها حمت مصر والعروبة، بينما قال جيفارا عنها: لقد منحتنا بورسعيد العزيمة

لتحرير كوبا، في حين نعتها أحمد بن بيلا: بأن بورسعيد قِبلة النضال العالمي، هكذا وصفها قادة وزعماء.

إن هذه الحرب تستحق أن تفرد لها المساحات الإعلامية لتذكير الأجيال الحالية من أبناء شعبنا الحر الأبي بما سطره

أجدادنا من صمود وتحدي وبطولات، بعزيمة لا تستكين، وعزم لا يلين، والواقع أننا مقبلون على تغييرات حادة وسريعة

في هذا الإقليم، ولا ملجأ إلينا سوي بالتكاتف والتعاضد،

وفي رأي لن يقويه سوي تغذية الشعور بالوطنية والفخر وبالقدرة علي صنع وإنجاز المستحيل كدأب أجدادنا على مر

التاريخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.