الدكتور هيثم الطواجني يكتب : آليات مواجهة العدو ( 3 )
أما القوة الناعمة فيعود مصطلح القوة الناعمة Soft Power إلى أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي Joseph S. Nye، الذي قام بتطويره في كتابيه “ملزمون بالقيادة bound to lead” صدر عام 1990، ثم في كتابه ” مفارقة القوة الأمريكية The paradox of American power ” عام 2002، ويستدعي مصطلح القوة الناعمة بشكل تلقائي نقيضه القوة الصلبة أو القاسية أو الخشنة.
– وقد عرّف جوزيف ناي، مفهوم القوة الناعمة بأنه سلاح مؤثر يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام، أو دفع الأموال، وإنها في جوهرها قدرة أمة معينة على التأثير في أمم أخرى، وتوجيه خياراتها العامة، وذلك استناداً إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة قيمها ومؤسساتها بدلاً من الاعتماد على الإكراه أو
التهديد، وهذه الجاذبية يمكن نشرها بطرق شتى: الثقافة الشعبية، الدبلوماسية الخاصة والعامة، المنظمات الدولية
غير الربحية، مؤسسات المجتمع المدني، مجمل الشركات والمؤسسات التجارية العاملة.
– ولو دققنا في تاريخنا الطويل لوجدنا ان ما قاله ناي مارسه أجدادنا العظام منذ أكثر من خمسة عشر قرناً قبل
الميلاد حيث قامت الملكة حتشبسوت بإرسال بعثة تجارية مكونة من عدة سفن شراعية عبرت البحر الأحمر حتى
وصلت بلاد بونت (الصومال الحالية)، فاستقبلها حاكمها وكبار رجالها، وقدمت البعثة الهدايا إليهم، ثم عادت محملة
بكميات كبيرة من الذهب والبخور العطور الأبنوس والعاج والجلود، بينما اتبع الملك تحتمس الثالث سياسة آخري،
عندما أصر على أن يأخذ أبناء الملوك والأمراء المتآمرين إلى مصر لصهرهم في الثقافة المصرية، وكان هذا أول
استخدام واسع لمفهوم القوة الناعمة المصرية التي أوضحها ناي بكتابيه.
– إذا امتلكت الدولة القوة الناعمة أصبحت لها القدرة على صياغة وتشكيل مفاهيم الآخرين، وصبغ ثقافاتهم، وتوجيه
سلوكياتهم، وتصدير القيم والسياسات، وبالتالي الوصول إلى النتائج المنتظرة، وليس بالضرورة الحصول على النجاح
الكامل، ولكن باستعمال القوة الناعمة، فقد توفر الدولة الكثير من قدراتها وامكانياتها (العسكرية – الاقتصادية).
– ويحدد جوزيف ناي موارد القوة الناعمة لأي دولة من الدول الكبرى الفاعلة على المسرح السياسي العالمي في
ثلاث مقومات أساسية:
– الثقافة العامة وما إذا كانت جاذبة أم منفرة للآخرين.
– القيم السياسية ومدى جدية الالتزام بها سواء في الداخل أم في الخارج سلماً أم حرباً، السياسة الخارجية
المنتهجة ودرجة مشروعيتها وقبولها الطوعي من جانب دول العالم وشعوبه.
– مجموعة من أدوات الإقناع والجذب مثل السمعة الدولية، والسلطة المعنوية والأخلاقية، والوزن الدبلوماسي،
والقدرة الإقناعية، والجاذبية الثقافية، والمصداقية الاستراتيجية والشرعية، ومن ثم فإن موارد القوة الناعمة الممنوحة
للدولة مثل إرثها التاريخي ونظامها المجتمعي تحدد فعالية قوتها الناعمة.
– وتمتلك مصرنا الغالية من المقومات والموارد التي تفوق ما حدده ناي للدول لتكتسب القوي الناعمة، ونستأثر
بالكثير من روافدها بما يتجاوز ما اشترطه في نظرياته، وكنت قد شاهدت برنامج حواري على إحدى أكبر المحطات
الإخبارية العالمية أثناء تواجدي بالولايات المتحدة خلال أحداث ثورة 25 يناير عام 2011، وكان السؤال المحوري عن
مدى أهمية مصر! لتفرد لها وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية كل هذه المساحات “طوال اليوم”، فكانت إجابات
الضيوف لما تمتلكه مصر من قوة ناعمة مؤثرة وجاذبة في شعوب ودول الإقليم بما فيها إسرائيل. (وللحديث بقية)