محمد يوسف العزيزي يكتب : الحكم في سوريا بين الوحدة الوطنية واحتمالات التقسيم !
تمر سوريا بمرحلة شديدة التعقيد تتشابك فيها المصالح الداخلية والخارجية، مما يجعل مستقبل الحكم فيها موضوعًا مفتوحًا على العديد من الاحتمالات يؤثر بشكل مباشر علي مقتضيات الأمن القومي العربي ومستقبل الصراع العربي الصهيوني
فمنذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد من الزمن أصبح المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد مشوبًا بتحديات جمّة، أبرزها تعدد الولاءات بين الفصائل المختلفة وتزايد التدخلات الإقليمية والدولية ، فضلاً عن المواقف المتباينة للغرب تجاه القوى الفاعلة في الداخل السوري.
تعكس تعدد الولاءات في الداخل السوري انقسامًا عميقًا بين مكونات الساحة السياسية والعسكرية، حيث تقف الفصائل المسلحة أحيانًا في مواجهة بعضها بقدر ما تواجه الحكومة السورية
هذا الواقع يضعف من إمكانية بناء نظام سياسي مركزي قوي ، خاصة مع تعمق الارتباط بين تلك الفصائل وقوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة .. ومع استمرار هذا الانقسام تصبح عودة الدولة السورية إلى شكلها التقليدي ككيان موحد يتمتع بسيطرة مركزية شاملة أمرًا معقدًا للغاية
وفي خضم هذه الفوضى تشكل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية جانبًا مهمًا من معادلة الصراع حيث تهدف هذه الاعتداءات والضربات المؤثرة إلى إضعاف قدرات الجيش النظامي وتدمير البنية التحتية العسكرية، وهو ما يعكس استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى منع أي تهديد مستقبلي من الأراضي السورية ، سواء من الجيش أومن حلفائه الإقليميين مثل إيران وحزب الله.
هذه الضربات تأتي في سياق أوسع يُكرس حالة الاستنزاف المستمرة للقوة النظامية السورية مما قد يفتح المجالأمام تكريس وجود الميليشيات المسلحة كبديل عن الجيش النظامي، وهو ما يخلق واقعًا جديدًا قد يضعف مفهوم الدولة المركزية على المدى البعيد
في السياق ذاته تبدو الطموحات الجيوسياسية لبعض الدول الإقليمية مثل تركيا عاملاً محوريًا في تحديد مستقبل سوريا .. فبينما تسعى إسرائيل إلى تأمين حدودها الشمالية وتعزيز سيطرتها على مرتفعات الجولان تركز تركيا على إقامة منطقة آمنة على حدودها الجنوبية تحت ذريعة حماية أمنها القومي واحتواء الأزمة الكردية .. كلا الموقفين يعكس طموحات إقليمية قد تضعف احتمالات استعادة سوريا لوحدتها الجغرافية
في المقابل شهدت المواقف الغربية خاصة الأمريكية والأوروبية تغيرات تجاه بعض الفصائل السورية المدرجة على قوائم الإرهاب ..هذه التغيرات التي تعكس رؤية براجماتية لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية قد تفتح الباب أمام تحالفات جديدة ومع ذلك فإنها قد تؤدي إلى تعقيد الوضع الداخلي حيث تمنح شرعية ضمنية لبعض الأطراف المسلحة التي قد ترى في هذه التحولات دافعًا للاستمرار في استخدام القوة بدلاً من الانخراط في عملية سياسية شاملة.
في ظل هذه التطورات، يصبح مستقبل سوريا مرهونًا بعوامل متعددة، أبرزها قدرة المجتمع الدولي على تحقيق توافق سياسي يُنهي الصراع وتحقيق مصالحة وطنية شاملة تعالج جذور الأزمة وتضع حدًا للانقسامات وهو ما لا يريده الكيان الصهيوني لذلك مع غياب تلك العوامل يبقى السيناريو الأكثر تشاؤمًا هو استمرار الانقسام الفعلي للبلاد إلى مناطق نفوذ متعددة، تخضع لسيطرة قوى محلية وإقليمية مما يُبقي سوريا في حالة من عدم الاستقرار طويل الأمد.
الحفاظ على وحدة سوريا يتطلب إرادة محلية ودولية تتجاوز المصالح الضيقة والتوازنات الإقليمية ، وترتكز على تمكين الشعب السوري من تقرير مستقبله في إطار يحترم تنوعه ويحافظ على وحدة أراضيه. ومع ذلك، فإن استمرار استهداف الجيش السوري والتدخلات الإقليمية قد يُفضي إلى واقع يُكرّس فيه وجود الميليشيات المسلحة كبديل عن الجيش النظامي ، مما يضعف مقومات الدولة المركزية ويؤسس لتقسيم فعلي أو غير مباشر على المدى البعيد.