الدكتور علاء رزق يكتب : المستقبل الإقتصادي للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٤- ١٠)
تناولنا فى المقالات السابقة أن عودة ترامب تعلن عن تبعثر أوراق الإقتصاد العالمي خاصة فى الدول العربية، بسبب السياسات الخاصة المرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية.والتى إنخرطت في صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاما من وجودها،
وإستناداً على شعار ترامب”أمريكا أولاً”، فإن توجهاته تجاه السياسة الاقتصادية الداخلية والخارجية تعكس هذا الشعار.
ففى الولاية السابقة من 2017 – 2021 اتسمت السياسات الاقتصادية لترامب بتوجهاتها الداعمة للنمو الإقتصادي المحلي وتعزيز القوة التنافسية الأمريكية في الاقتصاد العالمي،وركزت إستراتيجيته الإقتصادية على تخفيف الضرائب، وتحفيز الاستثمار، وتقليص القيود التنظيمية.
وفى هذا السلسلة من المقالات سوف نتناول تأثير ذلك على الدول العربية بصورة منفردة، وقد تناولنا الأثر الإقتصادى على الجانب الفلسطيني والعراقى، والسعودي، والإماراتى
وفى هذا المقال سوف نتناول الأثر الإقتصادى على الجانب السورى،الذى يمر فى هذه اللحظة بأكبر فوضى فى تاريخه عبر عنها الرئيس ترامب بأن سوريا في فوضى، لكنها ليست صديقتنا،وأضاف لا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بما يحدث، هذه ليست معركتنا، لندع الأمور تجري، دون أن نتدخل.
ولكن يجب وضع تعاطف سوريا من اللحظة الأولى لإنطلاق عملية”طوفان الأقصى” كونها اللحظة المفصلية لإنفجار الصراع على خرائط جديدة للمنطقة،كذلك تعى الإدارة الأمريكية المشروع الغربي الذي يعمل على توسيع تغيير الخرائط بعد أكثر من مائتي عام،
وهناك مشروع القوى المقاومة التي تعمل على تقويض الخرائط الغربية على مدى 42 عاماً، مع الأخذ في الإعتبار نجاح سوريا في حرب عام 2006 عبر حزب الله في إجهاض ولادة “شرق أوسط جديد”، وفى المقابل كان القمع الذي مارسه النظام السوري السابق ضد الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت من درعا وامتدت إلى المدن والمحافظات الأخرى. واستخدام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
ما يحدث الآن في سوريا ما هو إلا تحديد لقواعد جديدة لموازين القوى في الإقليم، تراها مصر بشكل واضح، بعد انتظار أكثر من 400 يوم من حرب ميلاد شرق أوسط جديد، أو ولادة مشرق جديد، لم تستطع سوريا قطف ثماره الأولى بعد ما اقترن بالتغيير الداخلي.
عمليا تشير كثير من التقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عاماً ليصل إلى تسعة مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولا في 2011. أما الآن فالقيمة تقترب من الصفر، فخزائن الدولة ليس بها نقوداً سوى بالليرة السورية وأنها لا تمتلك سيولة بالعملات الأجنبية.
فالنظام البائد دمر اقتصاد البلد بجعله احتكاريا محصوراً بعدد من الأفراد، وبذلك تراكمت الأرباح لصالح النظام.كما لم يكن هناك سوق اشتراكي ولا سوق حر، كان هناك سوق يمكن تسميته برأسمالية النخبة أو العائلة، وبالتالي لم يكن هناك سياسات مالية أو نقدية بل مجرد اقتصاد حرب يسعى إلى دعم الآلة العسكرية للنظام ضد شعبه، امتزج هذا بدعم بشار الأسد للفساد خاصة الفساد الإداري الذى إستشرى فى النخب السورية والمراكز البحثية والجامعات ،عبر تقليد الفاسدين للمناصب، مما نجم عنه ضياع للأمن القومي السورى.وكل هذا لصالح دولة واحدة فقط هى دولة الاحتلال الإسرائيلي ،
وإذا كانت سوريا مع نهاية السنة الثامنة من النزاع السورى ،والذى بدأ عام 2011 خسرت إقتصاديا ما يفوق 442 مليار
دولار. وهذا الرقم الهائل لا يعبر وحده عن معاناة شعب أصبح 5.6 مليون منه على الأقل لاجئين، 6,4 مليون نازحين
داخليا، و6,5 مليون يعانون من إنعدام الأمن الغذائي و 11.7 مليون بحاجة الى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية،
ومرشح أن يصل هذا الرقم إلى 800 مليار دولار بعد إنهيار نظام بشار والسقوط الاقتصادى للدولة السورية.
وبالتالي نرى أنه من المبكر جدا الحديث عن مستقبل الدولة السورية. ولكن يمكن تحديد بعض السيناريوهات
المحتملة فى ظل الغموض الطبيعى بعد حالة الانهيار، وبعد انتظار موقف اللاعبين الإقليميين والدوليين وأبرزهم
الولايات المتحدة الأمريكية ،فى محاولة فرض تفاهمات سياسية محددة.
من أبرز تلك السيناريوهات: سيناريو استمرار الوضع الراهن،واستمرار فوضى الانقسامات الجغرافية والطائفية،وهو ما
سيزيد من استمرار معاناة الشعب السورى، دون أى تقدم نحو الحل السياسى. كذلك سيناريو التقسيم الفعلى:
إلى مناطق نفوذ بين اللاعبين الرئيسيين. وهو سيناريو قد يؤدى إلى صراعات طويلة الأمد، وتفاقم النزاعات بين
الأطراف،خاصة على الحدود والموارد، مما يضعف من احتمال عودة الدولة المركزية السورية فى الوقت القريب.
سيناريو التسوية السياسية الشاملة من خلال اتفاقات دولية تقضى بتشكيل حكومة جديدة تضم كل الأطراف
السورية. وهو سيناريو.. يتطلب تنازلات كبرى وإصلاحات دستورية كبيرة لإعادة بناء الثقة بين الشعب والحكومة..
لكنه يظل الأكثر استدامة. السيناريو الأخير الفوضى الشاملة: بانهيار كامل، وفقدان السيطرة على جميع المناطق،
وبروز فصائل جديدة تتقاتل على السيطرة..
مما قد يؤدى إلى اقتتال داخلى أوسع. وهو سيناريو، يجعل من سوريا.. ساحة حرب مفتوحة لجميع الأطراف الدولية.
وتصبح سوريا «دولة بلا دولة»، مما سيزيد من التدخلات الأجنبية ويعزز الإرهاب والتطرف.
وللحديث بقية إن شاء الله.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام